مع ظهور نتائج الانتخابات الألمانية التي جرت يوم الأحد، وفوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بفارق ضئيل عن الحزب المسيحي الديمقراطي، فإن هناك تكهنات بأن يتم تشكيل الحكومة الألمانية المقبلة من تحالف شمال الوسط، وهو ما يعني أن الاقتصاد الألماني قد يشهد مساراً مختلفاً عما كان عليه خلال الـ 16 عاماً التي حكمت فيها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حققت خلالها نجاحات للاقتصاد الألماني والاقتصاد الأوروبي، وأدارت بحنكة دفة أوروبا وسط خلافات صعبة مع أميركا وروسيا.
ومع هذه التكهنات، فإن السؤال المطروح في أسواق المال الأوروبية: ماذا بعد ميركل، وكيف سيتأثر الاقتصاد الأوروبي بالتغيرات السياسية المحتمل أن تطرأ على ألمانيا في المستقبل؟
77% من الاقتصاديين الألمان: تشكيل حكومة من يسار الوسط ستؤدي إلى تداعيات سلبية في مسار الاقتصاد الحقيقي، من بينها تراجع معدل النمو، وارتفاع البطالة
صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية، أجرت مسحاً بين 153 اقتصادياً في الجامعات الألمانية، حول مستقبل الاقتصاد الألماني، في ظل التغيير المرتقب للقيادة، التي بات من شبه المؤكد أنها ستفرز نوعاً من التحالف اليساري، وليس التحالف اليميني الذي كان يقوده الحزب المسيحي الديمقراطي.
من بين الذين شملهم المسح، قال 77% من الاقتصاديين الألمان إن تشكيل حكومة من يسار الوسط يقودها الحزب الاشتراكي الديمقراطي ستؤدي إلى تداعيات سلبية في مسار الاقتصاد الحقيقي، من بينها تراجع معدل النمو الاقتصادي، وارتفاع معدل البطالة في البلاد خلال الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من تقرير "رويترز" الذي تحدّث عن تهريب بعض الأثرياء الألمان لأموالهم إلى سويسرا، إلا أن النشرات المتخصصة لاحظت أن هناك زيادة ضئيلة في حركة الأموال الألمانية إلى حسابات في مصارف سويسرية.
وتقول نشرة "ياهو" في تقرير يوم الأحد، إن حجم إيداعات الأفراد والشركات الألمانية في الحسابات المصرفية السويسرية ارتفع بنحو 5 مليارات دولار، إلى 37.5 مليار دولار، في الربع الأول من العام الجاري.
ويُعد الاقتصاد الألماني، البالغ حجمه 3.861 تريليونات دولار، الماكينة الحقيقية التي تقود الاقتصاد الأوروبي، من حيث الثقل التقني والمالي والاستثماري ومعدل النمو الاقتصادي.
ويعادل الاقتصاد الألماني نسبة 24.7% من إجمالي الناتج المحلي لدول الاتحاد الأوروبي، حسب إحصائيات يورو ستات في عام 2019، وهو العام الذي سبق جائحة كورونا ويمكن القياس عليه.
وتلعب الشركات الألمانية دوراً رئيسياً في تحديث الاقتصاد الأوروبي، عبر شراء شركات إنتاج السيارات والصناعات المتقدمة وترميمها وتحديثها.
تلعب الشركات الألمانية دوراً رئيسياً في تحديث الاقتصاد الأوروبي، عبر شراء شركات إنتاج السيارات والصناعات المتقدمة وترميمها وتحديثها
لكن رغم النجاحات التي حققتها المستشارة ميركل في تحديث الاقتصاد وإحداث طفرة فيه، إلا أن الاقتصاد الألماني يعاني من ارتفاع نسبة كبار السن بين المواطنين، وهو ما يعني ارتفاع حجم الإنفاق الفيدرالي على بند المعاشات الذي بات يعادل نسبة 25% من الميزانية الفيدرالية للبلاد.
وربما يكون هذا واحدا من الدوافع التي جعلت المستشارة ميركل تدعم سياسة الهجرة المفتوحة للشباب والكوادر المؤهلة للإقامة في ألمانيا.
وحسب تحليل في نشرة "ويلث بريفينغ" الأوروبية، فإن هذا الإنفاق الكبير على المعاشات سيقود حكومة يسار الوسط المقبلة إلى زيادة معدل الضرائب على الدخول، وكذلك زيادة الضرائب على أصحاب الثروات، وهو ما أدى إلى هروب جزء من الثروات الألمانية إلى المصارف السويسرية خلال الشهور الأخيرة.
ولاحظت نشرة "ويلث بريفينغ" أن مدراء الثروات في ألمانيا يتخوفون من دخول حزب "داي لينك" اليساري في تشكيلة الحكومة المقبلة، لأنه من الأحزاب التي تستهدف أصحاب المال.
يُعد الاقتصاد الألماني، البالغ حجمه 3.861 تريليونات دولار، الماكينة الحقيقية التي تقود الاقتصاد الأوروبي، من حيث الثقل التقني والمالي والاستثماري ومعدل النمو الاقتصادي
ووفق النشرة، فإن تشكيلة الحكومة المقبلة من يسار الوسط سيكون لها تأثير مباشر وسلبي على أسواق المال، وربما تؤدي إلى حال من عدم اليقين وسط المستثمرين، وربما اضطراب في البورصة الألمانية.
في هذا الصدد، يرى خبير الأسواق في مصرف "ميريك فينك" المتخصص في إدارة الثروات، روبرت غيريل، أن صعود الأحزاب اليسارية في تشكيلة الحكومة المقبلة سيكون نذير شؤم للبورصة الألمانية.
وفي المقابل، يقول خبراء آخرون لنشرة "ويلث بريفينغ" إن صعود حزب الخضر للحكم سيعني زيادة الاستثمارات في القطاعات الصديقة للبيئة، وبالتالي من المتوقع أن تدعم الحكومة صناعة السيارات الكهربائية.
من جانبه، يقول الاقتصادي في مؤسسة "دي دبليو أس" الألمانية، مارتن موريسون، في تعليقات لنشرة "إنفستمنت ويك"، إن تشكيل حكومة من تحالف الحزب الاشتراكي وحزب الخضر واليسار من المحتمل أن يثير قلقاً استثمارياً في أسواق المال، لأن مثل هذا التحالف سيعني تشديد الإجراءات الاستثمارية في ألمانيا، وربما ينخفض معدل النمو الاقتصادي في البلاد.
لكن الاقتصادي موريسون يرى أن حكومة من هذا التحالف ستكون في صالح سوق السندات الألمانية والأوروبية، لأن الحكومة الألمانية الجديدة ستكون داعمة لتماسك الاتحاد الأوروبي.
وترى نشرة "إنفستمنت ويك" في تحليلها أمس الاثنين، أن تشكيل حكومة من يسار الوسط في ألمانيا ستؤدي إلى زيادة في الحد الأدنى للأجور، وارتفاع في الضرائب، وربما إجراء إصلاحات في سوق العمل. ويقول الخبير إليوت غولفر في تحليل بالنشرة، إن مثل هذه الإصلاحات ستدعم الاستهلاك المحلي في السوق الألماني.
خلال الـ 16 عاماً التي حكمت فيها ميركل ارتفع مستوى المعيشة في ألمانيا، كما ارتفع حجم الاستثمار في التقنية والصناعات الحديثة
أما الخبير الاستثماري نيك أدواردز، فيرى أن أي ارتفاع في معدل الإنفاق والاقتراض سيقود إلى ارتفاع في العائد على السندات الألمانية.
كما يتوقع أدواردز، أن تشكيل حكومة يسارية سيعني زيادة جرعة التحفيز المالي للاقتصاد، وأن هذا سيدعم ارتفاع معدل النمو الاقتصادي على المدى القصير، كما سيدعم اقتصاد منطقة اليورو التي تعتمد في نموها إلى درجة كبيرة على انتعاش الاقتصاد الألماني. وخلال الـ 16 عاماً التي حكمت فيها المستشارة ميركل ارتفع مستوى المعيشة في ألمانيا، كما ارتفع حجم الاستثمار في التقنية والصناعات الحديثة.