كشفت دراسة لشركة التأمين "أليانز تريد" أن معظم حالات الإعسار والإفلاس في الشركات الألمانية الكبرى والتي يبلغ حجم مبيعاتها السنوية 50 مليون يورو على الأقل، كانت في قطاع العقارات.
وأشارت الشركة في تقرير نشرته شبكة "ايه ار دي" الإخبارية، الاثنين، إلى أن القطاع العقاري يعتبر الأكثر معاناة بالمقارنة مع باقي القطاعات مثل مبيعات التجزئة والخدمات وغيرها.
لكنها أشارت في الوقت ذاته إلى أن الشركات العقارية الكبرى تحجم عن الدخول في مشاريع إنشاء عقارية جديدة رغبة منها في الحفاظ على ارتفاع الأسعار ومن ثم تحقيق مصلحة المساهمين في زيادة الأرباح.
وفي هذا الإطار، جاء إعلان شركة فونوفيا، أكبر مجموعة إسكانية في ألمانيا أخيراً، وبعد سنوات من التوسع عن عرضها 66 ألف شقة للبيع بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 13 مليار يورو وتجميد المشاريع الجديدة، بعد أن باتت مثقلة بديون وصلت إلى نحو 64 مليار يورو.
وتمتلك فونوفيا حوالي 550 ألف شقة في سوق الإسكان.
تكلفة الإنشاءات الجديدة
ونقلت الشبكة ذاتها عن رئيس الشركة رولف بوخ قوله إن المزيد من المبيعات ستساعد الشركة في التقليل من ديونها بشكل أكبر، وهي المثقلة أساساً بعواقب أسعار الفائدة المرتفعة.
وتوقع بوخ انخفاضاً معتدلاً في الربح من العمليات في عام 2024.
وسجلت الشركة خسارة قدرها 3,8 مليارات يورو، علماً أنه قبل عام كانj هناك لديها أرباح بقيمة 2.2 مليار يورو.
وأفادت الشركة بأن ارتفاع أسعار الفائدة حالياً تسبب في زيادة تكاليف إعادة التمويل لمشاريع البناء، كما أن زيادة نسبة التضخم ساهمت في تعميق المشاكل للشركات، ما أثر على حركة التعاملات الكبيرة في السوق لفترة طويلة، ولم يعد هناك من إمكانية لبناء شقق جديدة.
أرباح المساهمين أولاً
ووفقاً لدراسة أجرتها شركة "فينانس فندي" للأبحاث، فإن شركات مثل فونوفيا والتي تعمل وفقاً لقواعد الأسواق المالية ليس لديها مصلحة في بناء شقق جديدة، حيث تستفيد من نقص الشقق لأنه يدفع أسعار الإيجارات إلى الارتفاع بسرعة في المدن الكبرى.
وفي برلين وحدها ارتفعت الأسعار بنسبة هائلة بلغت 30 % في السنوات الثلاث الماضية.
وأشارت الدراسة التي نشرتها صحيفة "دي تسايت" إلى مسؤولية الشركات العقارية عن هذا النقص لعدم دخولها في مشاريع بناء جديدة، مشيرة إلى أنّ الشركات لا تقوم ببناء عقارات جديدة، فخلال عام 2022 لم تشيد 9 مجموعات عقارية إلا نحو 2500 شقة جديدة فقط، مؤكدة أن "الشركات ليس لديها مصلحة في توسيع المعروض من المساكن".
ويعيش أكثر من نصف الألمان في مساكن مستأجرة، وهو أكبر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، كما تشير التقديرات إلى أن النقص قد يصل إلى مليون شقة في السنوات القليلة المقبلة.
واعتبرت الدراسة أن "الأمر قد يبدو متناقضاً في البداية، لكن الأمر بسيط للغاية في منطق الأسواق المالية، فبالنسبة للشركات لا يتعلق الأمر في المقام الأول بخلق مساحة معيشة للناس، بل بتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، وبالتالي تلبية مصالح المساهمين".
وأصبح عدد متزايد من شركات السكن مملوكة لصناديق الأسهم الخاصة وصناديق التقاعد ومجموعات التأمين التي تستثمر في العقارات السكنية.
وارتفع إجمالي حجم الاستثمارات في العقارات السكنية في أوروبا بنحو 700 % بين أعوام 2009 و2020، أي من 7.9 مليارات يورو إلى 63.2 مليار يورو.
قواعد السوق
لذلك وفقاً للدراسة، فإن شركات الإسكان الكبرى تتصرف على نحو متزايد وفقاً لقواعد الأسواق المالية أي مصلحة المساهمين، وهو ما لا يصب في مصلحة عامة الناس أو المستأجرين.
وفي أوقات ارتفاع التكاليف وأسعار الفائدة لا يستفيد المستثمرون والمطورون العقاريون من أرباح بناء الشقق الجديدة. ومن ناحية أخرى، فإن النقص في الوحدات السكنية بشكل عام مفيد لأعمالهم وأرباحهم، لأن ارتفاع الطلب يرفع الإيجارات دون استثمارات باهظة الثمن، ومعها تحقيق المزيد من الأرباح للمساهمين.
ويذهب 41 سنتاً من كل يورو من دخل الإيجار إلى المساهمين على شكل أرباح.
وعن أسباب تعرض العديد من شركات السكن الممولة للضغوط العام الماضي، بيّنت دراسة "فينانس فيندي" أنه مع زيادة تكاليف القروض تراجعت الأرباح الموزعة على المساهمين.
وانخفض سهم فونوفيا منذ أغسطس/ آب 2021 بأكثر من 60 %، ووفقاً لـ"دي تسايت" فإن ذلك انعكس أيضاً على الخدمات التي تقوم بها الشركات مثل الصيانة وغيرها التي تراجعت إلى حد كبيراً توفيراً للنفقات وضماناً لتحقيق أرباح.
وأوصت الدراسة باعتماد سياسة أكثر صرامة على الشركات العقارية، عبر فرض رقابة أفضل على الأسهم الخاصة وصناديقها العقارية، وإعادة تعزيز العمل بالإسكان الاجتماعي غير الربحي، والشفافية في آليات نقل الملكية والتدابير الضريبية التجارية على عائدات الإيجارات.