وللأسف رغم التصريحات الرسمية الرنانة والخطب النارية لا مشروعات إعادة إعمار رأت النور، ولا تنمية حقيقية ظهرت على السطح وتحولت لواقع في عالمنا العربي.
ومن حين لآخر تخرج علينا حكومات عربية لتتحدث عن خطط طموحة لإعادة إعمار بلادهم، وعندما تستمع لهؤلاء تشعر أن هذه الخطط قد تغير وجه العالم، وأنها تفوق في كلفتها وأهدافها مشروع مارشال الشهير، وهو المشروع الاقتصادي الكبير المخصص لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي وضعه كل من رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي ووزير الخارجية الأميركيي في يناير/كانون الثاني من عام 1947.
بشار الأسد ونظامه مثلاً يتحدثان دوماً عن مشروع إعادة إعمار سورية، رغم أن آلته العسكرية تدل المدنيين ليل نهار، ويفقد السيطرة على نحو نصف مساحة البلاد.
ومن وقت لآخر يكشف الأسد عن وجود خطط لإعادة ما دمرته الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات، وكيف سيكون لشركاء الحرب على شعبه وداعمي نظامه مثل إيران وروسيا والصين الدور الأكبر في تنفيذ خطة الإعمار والفوز بصفقات المشروعات الكبرى، خاصة المتعلقة بالبنية التحتية كالكهرباء والكباري والمياه والإسكان والصرف الصحي وغيرها.
وفي ليبيا تتحدث حكومة الوفاق بطرابلس عن إعادة إعمار ليبيا، رغم الحرب الدائرة هناك بين أطراف عدة لا نعرف عددها بالضبط، ويتكرر هذا الأمر رغم أن هذه الحكومة لا تسيطر على كل أراضي البلاد، خاصة في الجزء الشرقي الذي تسيطر عليه قوات حفتر وبعض الجماعات المسلحة.
وفي اليمن جدّد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أمس حديثه عن مشروع إعادة إعمار اليمن خلال ترؤسه اجتماع للحكومة ومحافظي المحافظات المحررة، بل وأكد أن السعودية ستقدم ثمانية مليارات دولار لدعم خطة إعادة الإعمار في العاصمة المؤقتة عدن وبقية المدن المحررة.
وفي بغداد لا تمرر حكومة العبادي مناسبة دولية الا وتطالب المجتمع الدولي بالمساهمة في مشروع إعادة إعمار العراق، رغم أن الحكومة تعرف أكثر من غيرها أنها تفقد السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، ولم تدحر تنظيم داعش بعد.
ويتكرر الموقف في مصر حينما تتحدّث الحكومة دوماً عن المشروع القومي لتنمية سيناء، وأن دعماً سعودياً تجاوز الملياري دولار سيساهم في تنفيذ المشروع الذي يستهدف تعمير 15% من مساحة البلاد، كما تم تخصيص مليارات الجنيهات من الموازنة العامة للدولة لهذا المشروع.
ويتكرر الحديث عن مشروع تنمية سيناء من وقت لآخر رغم أن الجميع يعرف تردي الأحوال الأمنية وانتشار الإرهاب وجماعة داعش داخل سيناء، وهو ما يعطل تنفيذ أي مشروع، ويدفع المستثمر للهروب حتى وإن كان هذا المستثمر هو الدولة نفسها.
أي مشروعات إعادة اعمار تتحدثون عنها في ظل تخصيص الجزء الأكبر من الموازنة العامة لتمويل آلة الحرب بسورية والعراق واليمن وليبيا، وأي مشروعات تنمية تتحدثون عنها وأنتم تقترضون ليل نهار لسداد ديونكم الخارجية والمحلية وتخصصون إيرادات الدولة للانفاق على الأمن؟
قبل الحديث عن مشروعات إعادة الإعمار داخل دول المنطقة علينا إيقاف دائرة الحرب الجهنمية أولاً، فخطط الإعمار في حاجة لاستقرار سياسي وأمني، في حاجة لأن تقف أصوات المدافع، في حاجة لحكومات مدنيّة تفكر في علاج مشاكل المواطن ولا تفكر فقط في كيفية توفير مؤن الحرب من سلاح وقنابل ودحر المدنيين حتى وإن كانت مطالبهم حرية وعدالة اجتماعية.
لا يمكن الحديث عن إعادة إعمار اليمن وهناك أكثر من 21 مليون مواطن يعيشون حالياً تحت خط الفقر، و80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بحسب الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ولا يمكن الحديث عن تنمية في ظل استمرار الحرب التي رفعت عدد الفقراء في اليمن من 12 مليونا قبل الحرب إلى أكثر من 20 مليونًا مع بداية عام 2016.
لتقف الحرب أولاً وبعدها نبحث عن مشروعات إعادة الإعمار وجدواها ومن يمولها.