أسعار النفط مرشحة للارتفاع بدعم من زيادة المخاطر الجيوسياسية ومخاوف اتساع رقعة حرب غزة

15 فبراير 2024
الناقلات النفطية تتفادى البحرالأحمر وكلف الشحن ترتفع (Getty)
+ الخط -

على الرغم من تأثر أسواق النفط بالمخاطر الجيوسياسية الحالية، وزيادة أسعار الخام الأسود في الفترة الأخيرة مع مخاوف من زيادة رقعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط، واستمرار حربي غزة وأوكرانيا وتصاعد هجمات الحوثي على الناقلات النفطية العابرة للبحر الأحمر، إلا أن الأسعار مرشحة للتأرجح والتذبذب ما بين الارتفاع والتراجع، وإن كان سيناريو الزيادة هو المرشح خلال العام الحالي 2024 وفق بنوك استثمار عالمية وشركات متخصصة.

وتعد الطاقة من السلع الحساسة للاضطرابات الجيوسياسية وتوجهات النمو الاقتصادي العالمي والإمدادات النفطية من الدول المنتجة، وكذلك الطلب من قبل الدول المستهلكة، إلى جانب أمن الممرات المائية للناقلات النفطية، ومواقعها الجغرافية.

وبالتالي تظل المضاربات في أسواق النفط والعقود المستقبلية في صراع دائم مع هذه المعادلات على أمل تحديد توجهات الأسعار صعوداً وهبوطاً خوفاً من الخسائر وأملاً في تحقيق الأرباح وفق محللين.
وفي بعض الأحيان تكون هذه العوامل ذات وزن متساوٍ تقريبًا، كما كانت منذ فترة حتى الآن. ويبدو أن أسعار النفط بعد فترة من الهدوء تتجه للارتفاع، حسب توقعات خبراء، وذلك بسبب الغموض الذي يكتنف العديد من العوامل المتداخلة.
وحتى الآن يبدو أن الحرب الإسرائيلية على غزة وما تلاها من اضطرابات الشحن في البحر الأحمر من العوامل الكبرى التي أثرت على توجهات الأسعار، إلى جانب الطلب المتوقع في الاقتصاد الصيني الذي يعاني من أزمات كبرى يسعى للتغلب عليها عبر التحفيز المالي.
على صعيد اضطرابات الشحن في البحر الأحمر، كان رهان أسواق الطاقة على أن الولايات المتحدة وتحالفها الدولي لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر ضد هجمات جماعة الحوثي اليمنية سينجح في مهمته، وأن الأزمة لن تستمر لفترة طويلة، ولكن ثبت أن رهان الأسواق كان خاطئاً، وأن أزمة الشحن في البحر الأحمر تتواصل وربما يطول أمدها ما دامت الحرب الإسرائيلية على غزة مستمرة.

ومنذ بداية العام الجديد وإلى نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، ارتفعت أسعار النفط على الرغم من أن السوق النفطية لم تخسر برميلاً واحداً من إمداداتها البترولية، حسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها الأسبوع الماضي.
وارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية هذا الأسبوع مع استمرار التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط وشرق أوروبا. وجاء الارتفاع رغم زيادة مخزونات النفط الأميركية بنحو 8.5 ملايين برميل خلال الأسبوع المنتهي في 9 فبراير/ شباط الجاري.
من جانبها، لاحظت نشرة "أويل برايس"، في تقرير صدر يوم الثلاثاء، أن أزمة عبور الناقلات النفطية عبر قناة السويس رفعت أسعار الخام الأفريقي والأميركي، كما وسعت نطاق التخلف في مؤشر خام برنت العالمي، وهو ما يشير إلى تضييق الأسواق وارتفاع أسعار الديزل في أوروبا. وهي مؤشرات تدل على أن أسعار النفط تتجه نحو الارتفاع خلال الشهور المقبلة.
في هذا الشأن، تقول إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها، إن متوسط السعر الفوري لخام برنت بلغ 80 دولارًا للبرميل في يناير/ كانون الثاني، بزيادة دولارين للبرميل عن مستوياته في ديسمبر/ كانون الأول، وهي أول زيادة شهرية في أسعار النفط الخام منذ نهاية سبتمبر/ أيلول 2023.

ووفق بيانات الإدارة البترولية الأميركية، فإن الأسعار ارتفعت بشكل أساسي بسبب تزايد عدم اليقين بشأن شحنات النفط العالمية والهجمات على السفن في البحر الأحمر.
وزادت هذه الهجمات مدة العبور وتكاليف شحن النفط من حيث ارتفاع علاوة التأمين واستهلاك الوقود، وهو ما حد من مرونة سوق النفط العالمية في التكيف مع أي أزمة إمدادات مستقبلية.
ولاحظ مراقبون، في هذا الصدد، أن تخلي السعودية عن هدف زيادة الإنتاج النفطي إلى 13 مليون برميل يومياً سيحد مستقبلاً من السعة النفطية الفائضة التي كانت تستخدم في ضمان الإمدادات العالمية في لحظات الطوارئ.
ويقدر معهد بيكر للطاقة في هيوستن بتكساس الطاقة الفائضة لدى السعودية بنحو 3 ملايين برميل يومياً حتى نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، وهو ما يمثل نحو 60% من الطاقة الفائضة في العالم.
ويقول المعهد في تقريره الصادر في 9 فبراير/ شباط الجاري، إن إنتاج النفط الخام السعودي الحالي يبلغ أقل بقليل من 9 ملايين برميل في اليوم، بينما يقدر حجم طاقة السعودية الإنتاجية 12 مليون برميل يومياً، وهذا يعني أن المملكة تمتلك بالفعل حوالي 3 ملايين برميل في اليوم من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية.

على صعيد إمدادات أوروبا، التي تُركت معرضة لمزيد من نقص إمدادات النفط الخام والوقود من الشرق الأوسط وآسيا منذ دخول الحظر على النفط الروسي حيز التنفيذ في أوائل العام الماضي، تجد القارة نفسها الآن تبحث عن إمدادات من مصادر نفطية قريبة جغرافياً.
وكانت الناقلات النفطية تمر عبر قناة السويس، أقصر طريق من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، وتتجه الناقلات بعد تكثيف هجمات الحوثي إلى الطريق الأطول عبر رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، وهو ما من شأنه أن يؤخر عمليات التسليم المخططة للشحنات البترولية ويرفع تكاليف الشحن.

على الصعيد الأميركي، يلاحظ أن الولايات المتحدة تدخل عام الانتخابات الأولية وتقترب من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وهو عامل يدفع الحزب الديمقراطي الحاكم للعمل على خفض أسعار الوقود الذي يعد من الركائز الأساسية في خفض التضخم، وبالتالي دفع أسعار السلع للتراجع، لأن الوقود يدخل في التصنيع وإنتاج ونقل السلع.

ومن هنا لا يستبعد محللون أن تعمل الإدارة على الحد من صادرات النفط الصخري للخارج مثلما فعلت مع تعليق صادرات الغاز الطبيعي المسال.
وتشير دراسات مصرفية إلى أن مستويات النفط الاستراتيجي الأميركي تراجعت بمعدلات كبيرة خلال السنوات الماضية. وحسب بيانات مصرف "جي بي مورغان" على موقعه، تراجع الاحتياط الاستراتيجي من النفط في الولايات المتحدة بنحو 40% عن متوسط المستوى طويل الأجل البالغ 600 مليون برميل.
ووفق المصرف الاستثماري، فإن مخزونات النفط الخام التجارية أقل من المتوسطات التاريخية، حيث بلغت 418 مليون برميل حتى 15 سبتمبر/ أيلول الماضي. ويتوقع "جي بي مورغان" أن يكون الإنتاج الأميركي في المستقبل محدودًا، حيث إن لدى إدارة بايدن معارك سياسية مع ولاية تكساس التي تعد الولاية النفطية الرئيسية في الولايات المتحدة.
وعلى الصعيد العالمي، يرى "جي بي مورغان" أن معظم مصادر العرض في أماكن أخرى حول العالم يتم استنفادها مع انخفاض مستويات إنتاج الحقول بشكل طبيعي وبقاء الاستثمارات الجديدة محدودة.
ورغم أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، تعمل على زيادة الإنتاج لتلبية الطلب، إلا أن ذلك يؤدي لاستنفاد سعة الطاقة الاحتياطية الفائضة التي يحتاجها العالم في وقت الأزمات.
وحسب تقديرات المصرف الأميركي، فإن عدم وجود طاقة فائضة كبيرة لدى العالم يزيد علاوة المخاطر على أسعار الخامات البترولية بما يراوح بين 20 و30 دولارًا للبرميل، وبالتالي يساهم ذلك في زيادة تقلب أسعار النفط.

يذكر أن أسعار النفط ارتفعت بنسبة 7% في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ورغم تلك الزيادة، إلا أن المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول أوضح أنه من المتوقع استقرار أسواق النفط العالمية هذا العام، مع تغطية الإمدادات الجديدة للطلب ومساهمتها في تقييد الأسعار.
وقال بيرول، يوم الثلاثاء، في تصريح لتلفزيون "بلومبيرغ"، إن الاستهلاك العالمي للنفط سيرتفع بما يراوح بين 1.2 مليون و1.3 مليون برميل في عام 2024، وهي وتيرة أضعف كثيراً مقارنة بالعام الماضي مع تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين ودول أخرى.
وأضاف أن هذا التباطؤ في وتيرة نمو الاستهلاك سوف تقابله زيادة كبيرة في إنتاج دول الأميركتين، وخاصة الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل، وغويانا.
ووفق المسؤول النفطي الدولي، فإن هذا النمو في الإنتاج أكثر من كافٍ لتلبية زيادة الطلب العالمي على النفط، لذا فمن المتوقع استقرار سوق النفط إلى حد ما، واعتدال الأسعار على مدار عام 2024، وذلك في غياب الاضطرابات الجيوسياسية الكبرى، والظواهر المناخية المتطرفة.

المساهمون