أسعار الذهب إلى أين؟

07 يوليو 2022
مصنع سبائك ذهبية في روسيا (getty)
+ الخط -

كتب المحلل بيتر كريستنسن مقالاً بتاريخ 3/2/2022 يقول فيه إن أعلى سعر ذهب تحقق حتى الآن بالدولار النقدي كان يوم السابع من يوليو/ تموز عام 2020 حين بلغ السعر 2075 دولاراً للأونصة الواحدة. ولكن لو أخذنا التضخم بعين الاعتبار، فإن سعر الذهب قد وصل بالأرقام النقدية الجارية إلى (2430) دولاراً عام 1980.

والأطرف من ذلك أن موقعاً مثل Allegiance Gold، يتوقع أن يبلغ سعر الذهب بعد خمس سنوات إلى (3000) دولار، أما الأمر المفاجئ فهو أن سعر الذهب قد يصل إلى (17,000) دولار عام 2032، أو بعد عشر سنوات من الآن، وهو رقم كبير. وتوقع محللون بشركة إدارة الأموال فات بروفيتس أن يبلغ الذهب المستوى المرتفع الجديد 2100 دولار للأوقية (الأونصة) هذا العام.

ومبررات ارتفاع سعر الذهب كما يراها المتنبئون تقوم على عدد من الأسس أهمها: ارتفاع أسعار الذهب وفقاً لإحصاءات السنوات الخمس الأخيرة المنتهية بعام 2022، وكذلك توقعات التضخم وما سيحدثه ذلك من تراجع في أسعار العملات كالدولار.

ومما سيزيد من الإقبال على الذهب كملاذ آمن للمستثمرين والمدخرين هو وصول الدين العام للولايات المتحدة خاصة إلى مستويات مقلقة تجعل هذا الموضوع مثار بحث سياسي واشتباك اقتصادي حاد يدفع المؤسسات المالية والبنوك المركزية العالمية إلى الإحجام عن الاحتفاظ بالدولار، والهروب منه إلى الذهب. وبلغ إجمالي الدين العام بالولايات المتحدة أكثر من 30 تريليون دولار، وذلك للمرة الأولى له على الإطلاق، وفقاً لبيانات صادرة من وزارة الخزانة الأميركية.

ويرى هؤلاء المراقبون أن السنوات الخمس الأولى، وحتى عام 2227، يمكن التنبؤ بها بشكل أفضل. ويرون أن التضخم سيبقى معنا خلال العامين 2023 وَ 2024. ومن بعد ذلك يميل معدل التضخم إلى الاعتدال ما يقلل من ارتفاع سعر الذهب. لكن هذه السيطرة على جموح التضخم ستأتي على حساب رفع أسعار الفائدة، وزيادة كلف الدين على الدائنين خاصة الخزينة العامة.

ومن بعدها سيزداد العجز في الدين العام للدول ويصل إلى مستويات مقلقة تجعل بريق الذهب أكثر إغراء وأمناً من الدولار، ولذلك سيحقق الذهب مكاسب سعرية لوغارتمية في السنوات الخمس التي تليها، أي خلال الفترة من 2028-2032، والتي سترى الذهب يصل إلى سبعة عشر ألف دولار للأونصة الواحدة.

ويرجع بعض المحللين في هذا الإطار إلى سلوك بعض الإمبراطوريات كالرومانية مثلاً. في البدايات حدد الإمبراطور الروماني سعر أوقية الذهب (وليس الأونصة) بمقدار أربعين قطعة عملة. ولكن الأباطرة فيما بعد قاموا بعمليات تخفيض لقيمة العملة الذهبية الخالصة عن طريق اضافة معادن أرخص إلى العملة الذهبية( debasement)، ما جعلها أقل قيمة حيال الذهب الخالص.

وكلما أرادوا أن يمولوا حرباً أو يعوضوا النقص في الذهب، أضافوا معادن أرخص كالنحاس أو النيكل أو الفضة إلى العملة ما جعلها أقل قيمة. وبسبب هذه السياسة، أحجم الناس عن اقتناء العملة الجديدة، وحرصوا على الاحتفاظ بالعملة الذهبية الخالصة ما جعلها أقل قيمة، وهذا بالطبع انعكس على الأسعار وسبب التضخم المتسارع المنفلت.

وقد حصلت حالات مشابهة إبان الإمبراطورية العثمانية، وزاد الأمر تعقيداً عندما أصدرت الدول العملات الورقية، وأجرت تخفيضاً على مكونات الذهب في العملة المعدنية المسكوكة. ولذلك، كان قيام الدولة بتنقيص نسبة الذهب في المسكوكات يؤدي إلى حصر المعاملات السوقية بالعملات الأقل قيمة. وتعرف هذه الظاهرة بقانون غريشام ( Grashm’s Law)، عندما تقوم العملة الرديئة بطرد العملة الجيدة من السوق لأن الكل يريد الاحتفاظ بها.

ولكن يجب أن ننتبه إلى شيء مهم جداً، وهو أن سعر الذهب لا يتحدد فقط بالقواعد الاقتصادية المرعية، أو نتيجة السياسات النقدية الحكومية، بل يتحدد أيضاً بالمناورات في السوق بين المضاربين في أسواق الذهب. ويزيد هذه المناورات حدة مشاركة الحكومات مع المضاربين فيها لأسباب سياسية بحتة.

وفي هذا الوقت سمعنا عن قيام الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا باتخاذ قرار لمقاطعة الذهب الروسي. ووفقاً لموقع (Investingnews.com)، فإن أكبر الدول انتاجاً للذهب حسب المعلومات المتاحة بتاريخ 28 يونيو/ حزيران من هذا العام هي الصين التي أنتجت (370) طناً مترياً من الذهب عام 2021، تليها أستراليا (330 طنا)، ثم روسيا (300 طن)، ثم الولايات المتحدة (180 طنا) وكندا (170 طنا).

وقد بلغ الإنتاج العالمي عام 2021 ما قدره ثلاثة آلاف طن، وبمعنى آخر، فإن روسيا تنتج 10% من الإنتاج العالمي. ومقاطعة هذا الرقم تعني أن الفجوة بين العرض والطلب سوف تزداد، وأن سعر الذهب سيكون مرشحاً للارتفاع. وسيكون المستفيدون الكبار هم الصين، والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

ويقدر المخزون من الذهب الاحتياطي العربي بحوالي 1,168 طناً تملك السعودية منه أكثر من الثلث ( 323 طناً مترياً) يليها لبنان (286.8 طناً) ومن ثم الجزائر (173.6 طناً) ثم ليبيا والعراق ومصر والكويت وقطر بالترتيب. وهذا يعني أن ارتفاع معدل سعر الذهب الخالص ( Troy 24) بنسبة 25.6% بين عامي 2021 وَ 2022 قد حقق أرباحاً تعادل حوالي (380) دولاراً في كل أونصة واحدة، أو أن احتياطي البنوك المركزية العربية من الذهب قد ارتفعت بما قدره 2.5 مليار دولار خلال أشهر معدودة.

العوامل التي تتحكم بسعر الذهب كثيرة ومعقدة. ولكن من الواضح أن قرار الدول الغربية مقاطعة الذهب الروسي سوف يحرمها من مئات الملايين. ولكن روسيا لن تستسلم، بل ستجد دولاً كثيرة راغبة في شراء ذهبها بأسعار أقل بعشرة بالمائة أو أكثر من ذلك خصماً من السعر. وهذا سوف يكون عنصراً مهدئاً بنسبة 10% على أسعار الذهب العالمية.

الذهب بين مَدّ ومد، وسعره مرشح للارتفاع، والدول العربية قد تجد من المناسب أن تزيد مقدار الذهب الاحتياطي لديها، خاصة إذا قامت حرب عملات مع الصين لا يدري أحد نتائجها.

المساهمون