كشفت قضية تأخر رواتب الموظفين العراقيين لشهر سبتمبر/ أيلول لأكثر من 50 يوماً عن حجم الأزمة المالية التي يمرّ بها العراق، التي توقعت مصادر استمرارها حتى نهاية العام الجاري في ظل تصاعد الاتهامات بين الحكومة ومجلس النواب (البرلمان) حول الوقوف وراء الأزمة.
وقال مصدر مقرب من الحكومة لـ"العربي الجديد" إن "أزمة تأخر رواتب الموظفين ستستمر ما لم يصوت البرلمان على قانون الاقتراض بسبب عجز الحكومة عن تأمين المبالغ المطلوبة شهرياً، مشيراً إلى أن إيرادات الحكومة العراقية من كل موارد الدولة بلغت في سبتمبر/ أيلول الماضي نحو 2.4 مليار دولار، فيما تبلغ رواتب الموظفين ونفقات تشغيلية أخرى شهرياً قرابة 5 مليارات دولار".
وأضاف المصدر: "هذا يعني أن الحكومة لن تتمكن من تأمين رواتب الموظفين لشهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في ظل تفاقم الوضع المالي"، مشدداً على أن "الحكومة عليها تأمين رواتب موظفيها للشهر الجاري في غضون أسبوع لصرفها في موعدها المحدد، ولا سيما أن بعض الوزارات تعمد إلى صرف رواتب موظفيها في الثلث الأول والثاني من الشهر".
وتابع أن "رواتب أكتوبر/ تشرين الأول ستكون الاختبار والمهمة الأصعب على الحكومة العراقية"، متوقعاً أن "تضغط الحكومة أكثر على مجلس النواب للتصويت على قانون الاقتراض لتأمين رواتب الموظفين".
وبينما يستمر الجدل حول إمكانية تأمين رواتب الموظفين للأشهر الثلاثة الباقية من عام 2020، تحاول الحكومة العراقية تمرير قانون للاقتراض الداخلي، يمكنها من دفع الرواتب في موعدها المحدد، لكن البرلمان يقول إن هذا القانون "سيجعل العراق يفلس خلال ستة أشهر"، ما يضع بغداد بين خيارين صعبين، إما الاقتراض الداخلي، أو احتمالية عدم دفع رواتب الموظفين في المستقبل.
وقال النائب في البرلمان، صباح العكيلي لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة لا يحق لها اللجوء إلى الاقتراض الخارجي أو الداخلي الا بعد موافقة البرلمان، ولذلك بدأت تمارس الضغط بشكل كبير من خلال تأخير رواتب موظفي الدولة للضغط على البرلمان في سبيل التصويت على الاقتراض".
وأضاف العكيلي أن "مجلس النواب ربط التصويت على قانون الاقتراض مقابل تقديم الحكومة العراقية ووزارة المالية خطة لتعظيم موارد الدولة، لكنها عجزت عن ذلك"، مشيراً إلى أن استمرار الحكومة بطلب الاقتراض دليل واضح على عدم وجود أي حلول لتعظيم الموارد من أجل التقليل من الاعتماد على المورد الواحد، كذلك إن التصويت على هذا القانون يعني إفلاس العراق مستقبلاً".
وتابع أن "عدم تمكن الحكومة العراقية من تأمين رواتب الموظفين في موعدها، يعكس مدى فشلها في إدارة الدولة على المستوى المالي، وبالأخص أداء وزارة المالية".
وفي السياق ذاته، قالت النائبة عالية نصيف، في تصريح صحافي أخيراً، إن "ربط رواتب موظفي الدولة بقانون الاقتراض كان خطأً كبيراً"، مضيفة أنه "عندما شُرِّع قانون الاقتراض الداخلي والخارجي، وضع مجلس النواب توفير رواتب الموظفين لمدة سنة كاملة".
وأشارت إلى أن وزير المالية علي علاوي، قال خلال استضافته في البرلمان إنه "أخفق في تقديم الورقة الإصلاحية، وطالب بمهلة لمدة شهر آخر لإعدادها، ولكنه لم يقدم أي ورقة لغاية الآن"، لافتة إلى أن "عدم تقديم هذه الورقة أثّر في الموظفين وجعل رواتبهم كل 60 يوماً".
ومن جهتها قالت عضو اللجنة المالية في البرلمان السابق نجيبة نجيب لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة العراقية، سواء أمنت رواتب الموظفين لشهر سبتمبر/ أيلول أو لم تؤمنها، فإنها ستكون مجبرة على الاقتراض لتوفير رواتب الموظفين بسبب الضائقة المالية التي يمرّ بها العراق نتيجة لانخفاض أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا".
وأضافت نجيب أن "رواتب الموظفين تُعد من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، لكونها التزاماً أساسياً مفروضاً على الحكومة"، مشيرة إلى أن "عدم التزام الحكومة تأمين رواتب الموظفين وصرفها في موعدها المحدد سيُدخل البلد في نفق مظلم وسيخلق حالة من الفوضى والمشاكل المجتمعية".
وأشارت إلى أن "أزمة رواتب الموظفين ستستمر حتى نهاية العام، إذا لم تجد الحكومة حلولاً سريعة وناجحة لتجاوز الأزمة الحالية، سواء كانت بالاقتراض الخارجي أو الداخلي أو تنويع إيراداته والسيطرة بشكل كامل على موارد الدولة".
يُشار إلى أن الحكومة العراقية تؤمن رواتب موظفيها من إيرادات النفط الذي تذبذبت أسعاره كثيراً بعد انتشار فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق التي فرضتها أغلب الدول على اقتصاداتها لمواجهة جائحة كورونا التي أدت إلى تأثر سوق العمل والاستثمار وانخفاض الطلب على المشتقات النفطية وغيرها من مصادر التمويل الرئيسية للعراق.