أزمة دعم مالي وإغاثي تفاقم الكارثة في غزة

30 اغسطس 2024
تصليح عملات تالفة في دير البلح، 11 أغسطس 2024 (حسن جدي/ الأناضول)
+ الخط -

يواجه أهالي قطاع غزة أزمات اقتصادية خانقة من جراء التداعيات الكارثية للعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مع استمرار غياب الدعم المالي وشح المساعدات الإنسانية والتي تفاقم من سوء الواقع المعيشي، من خلال انعدام القدرة على توفير أبسط مقومات الحياة اليومية.

ولا تتناسب المساعدات الإغاثية، سواء المادية أو الغذائية أو غيرها من المساعدات البسيطة، مع حجم الكارثة التي تعصف بالفلسطينيين منذ 11 شهراً، مقارنة بأحداث سابقة أقل حدة، وأخف تأثيراً، حيث كانت المساعدات وعلى الرغم من بساطتها، تلبي المتطلبات الأساسية للمواطنين. ويتزامن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة مع جملة من التحديات والآثار التي لا يمكن استيعابها، والتي بدأت قبل الحرب، بفعل التأثيرات السلبية للحصار الإسرائيلي، ومضاعفة تلك التأثيرات مع بدء العدوان وتشديد الحصار عبر إغلاق المعابر ومنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود والمساعدات الإنسانية، إلى جانب حرمان مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم ومصادر رزقهم التي تم تدميرها.

وعلى الرغم من غياب الدعم المادي، أو الشح الكبير فيه، إلا أنه وفي حال توافره يشهد تعقيدات شديدة في حركات الصرف بسبب نقص السيولة، واعتماد المؤسسات على تحويل الأموال إلكترونياً في عملية معقدة تحتاج إلى التنقل بين التطبيقات، الأمر الذي يجعل المستفيد فريسة سهلة لمكاتب الصرافة ومندوبيها، وبعض أصحاب رؤوس الأموال الذين يفرضون عمولة مرتفعة مقابل توفير السيولة، قد تصل إلى أكثر من 20% من قيمة المبلغ، إلى جانب تقديم عملات مهترئة يصعب صرفها.

شح المساعدات في غزة

ويوضح الفلسطيني أدهم أبو راس أنه لم يتلق أي مساعدات مالية منذ بدء العدوان الإسرائيلي، على الرغم من نزوحه المتكرر إلى أكثر من محافظة، حيث انتقل برفقة أسرته المكونة من خمسة أفراد إلى أكثر من مدرسة إيواء داخل مدينة غزة، ومن ثم انتقل إلى المحافظات الوسطى وإلى المحافظات الجنوبية، وقد عادوا مجدداً إلى المحافظات الوسطى بعد اجتياح مدينة رفح.

ويلفت أبو راس لـ "العربي الجديد" إلى التكلفة الباهظة لكل عملية نزوح، في الوقت الذي تعاني فيه أسرته من أوضاع اقتصادية متردية، خاصة بعد خسارته مصدر دخله الوحيد إثر النزوح الذي تلا تدمير منزله وتدمير محل الملابس الذي كان يعمل به، في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المتطلبات الأساسية بشكل غير مسبوق.

ويوضح أبو راس أنه لم يحصل على أي مساعدات مالية، باستثناء بعض الطرود الغذائية ومعظمها من المعلبات رخيصة الثمن، والتي يضطر إلى بيعها أو مقايضتها بأصناف أخرى، وذلك على الرغم من تسجيله في معظم الروابط المتعلقة بالمنح المالية التي يتم الإعلان عنها عبر الإنترنت.

ويشير أبو راس إلى أن صرف المساعدات المالية في مثل هذه الأوضاع الكارثية يجب أن يتضاعف، وفقاً لتضاعف التحديات والمتطلبات والأسعار، إلا أن ما يحدث هو العكس ويقول "خرجنا من بيوتنا دون أن نصطحب الملابس أو الفراش أو باقي المتطلبات الضرورية على اعتبار أن النزوح لن يدوم سوى لأيام معدودة، إلا أن الحرب طال أمدها، ما اضطرنا إلى شراء كل شيء وبأسعار مضاعفة، في الوقت الذي تعاظمت فيه الأزمات والمخاطر".

أما الفلسطيني مروان ديب، فيوضح أنه لم يحصل على أي مساعدة مالية، على الرغم من نزوحه المتواصل منذ الشهر الثاني للحرب، والتكاليف الباهظة التي تكبدها، خاصة بعد توقفه وأبنائه الأربعة عن العمل (في تجارة اللحوم) إثر قصف منزلهم وثلاجات التبريد والتجميد التي يتم فيها حفظ اللحوم تجهيزاً لبيعها.

ارتفاع الإيجارات

ويشير ديب لـ "العربي الجديد" إلى الخسارة المركبة التي تعرض لها، حيث تسبب القطع التام للتيار الكهربائي في الأيام الأولى للحرب بفساد كميات كبيرة من اللحوم، فيما تم قصف المبنى مع بدء الشهر الثاني للعدوان، الأمر الذي دفعهم للنزوح، ويقول "رغم كل هذه الخسائر القاسية إلا أننا لم نحصل على أي مبلغ مالي يعيننا على قضاء أبسط احتياجاتنا".

ويوضح أن الإيجارات المرتفعة للمنازل في مناطق النزوح أنهكته مادياً، ما دفعه إلى شراء مستلزمات إقامة خيام خشبية وبلاستيكية بأسعار مرتفعة، إلى جانب التكلفة المادية العالية لأسعار مختلف المتطلبات الأساسية، لافتاً إلى أن كل تلك التكاليف استنزفت الأموال التي كان يدخرها لتجارته ومناسباته العائلية وأهمها زواج نجله.

وفي السياق، يوضح الخبير الاقتصادي حسن صافي أن أزمة الدعم المالي وشح المساعدات في قطاع غزة قديمة جديدة، جراء التأثيرات السلبية للحصار الإسرائيلي المتواصل منذ ثمانية عشر عاماً. ويشدد صافي في حديث مع "العربي الجديد" على تضاعف نسب الفقر والبطالة خلال العدوان، على الرغم من ارتفاعها أساساً قبل بدء الحرب، جراء فقدان عشرات الآلاف لمصادر دخلهم، علاوة على تدمير مصالحهم التجارية والاقتصادية، الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن مصادر دخل جديدة، من بينها التسجيل في المساعدات المالية والإغاثية.

ويلفت صافي إلى أن آمال المتضررين جراء العدوان الإسرائيلي في الحصول على مصادر دخل بديلة تصطدم في الواقع الصعب، والذي يشهد نقصاً ملموساً في المساعدات المالية والغذائية، نظراً لشح دخولها، كذلك إلى الأعداد الهائلة للنازحين، والتي لا تتناسب مع النقص الناتج من ضعف الدعم، وإغلاق المعابر، وعدم السماح بمرور شاحنات وقوافل المساعدات، خاصة بعد اجتياح رفح، والسيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح مطلع شهر مايو/ أيار الماضي.

وتسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة باستشهاد وفقدان ما يزيد عن 50 ألف فلسطيني إلى جانب إصابة قرابة 93 ألفا بجراح متفاوتة، كذلك قامت الطائرات الحربية بتدمير أكثر من 70% من مساحة القطاع، بما تضم من مؤسسات إغاثية ومنشآت سكنية وتجارية واقتصادية ومحال تجارية ومولات وأسواق، علاوة على تجريف وتدمير الأراضي الزراعية التي كانت توفر السلة الغذائية لأهالي القطاع.

المساهمون