يعاني مربو الماشية في سورية من نقص حاد في الأعلاف وارتفاع أسعارها، ما يهدد بخسارة الكثير من القطعان، بسبب انحسار الواردات بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، ما ينذر بموجة غلاء أشد وطأة في البلد الذي يعاني معظم مواطنيه من الفقر وتردي القدرات الشرائية.
يؤكد تاجر الأغنام، رضوان محمد، من ريف دمشق الغربي، أن أزمة الأعلاف يمكن أن تأتي على ما بقي من الأغنام والأبقار، بعد تراجع مساحات المراعي، خاصة في منطقة البادية السورية (ريف حمص الشرقي) التي عاد إليها الصراع العسكري.
ويشير محمد إلى أن تربية الأغنام باتت اليوم "عبئاً" على المربين، بعد ارتفاع سعر طن الذرة في الأسواق إلى أكثر من مليوني ليرة (520 دولاراً) ووصول سعر طن الكسبة إلى حوالى 3.4 ملايين ليرة (883 دولاراً)، والأسعار في ارتفاع مستمر بعد عجز الحكومة عن تأمين الأعلاف للمربين واكتفائها بالتصريحات.
ولا تخفي حكومة بشار الأسد عجزها عن تأمين الأعلاف، رغم فتح الباب للقطاع الخاص للاستيراد مع تقديم تسهيلات لذلك، فضلاً عن دعم سعر الدولار المخصص للاستيراد، بحسب مصادر من دمشق.
وقالت المصادر في تصريحات لـ"العربي الجديد": "صحيح أنّ استيراد الأعلاف ممول ومدعوم اليوم، لكن هناك زيادة في التأمين على البضائع تصل إلى 100% وارتفاع في الأسعار عالمياً بين 25% و30%، ما دعا التجار إلى الخوف من المجازفة في الاستيراد".
وكانت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة بشار الأسد، قد أعلنت قبل أيام الاستعداد لإعلان مناقصة لتوريد 50 ألف طن من مادة الذرة الصفراء، فضلاً عن إعلان شراء كمية 40 ألف طن شعير و20 ألف طن من كسبة الصويا.
وذكرت الوزارة أنّ الأسعار تراجعت خلال الأيام الأخيرة، بعد عودة معمل أعلاف طرطوس للعمل (مدينة ساحلية غربيّ سورية)، مشيرة إلى وصول سعر الذرة إلى نحو ألفي ليرة للكيلوغرام والصويا 2900 ليرة للكيلوغرام.
لكنّ تاجر الأغنام، رضوان محمد، يدحض هذه التصريحات، قائلاً: "ربما أمنت الحكومة بعض المستلزمات في مدينتي طرطوس واللاذقية لأيام، لكن الأسعار اليوم أعلى مما ادعته الوزارة، فسعر كيلو الذرة نحو 2500 ليرة، ولا يقل كيلو الكسبة عن 3400 ليرة ووصل سعر النخالة (قشور القمح) إلى حوالى 1500 ليرة".
ويرى اقتصاديون أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا رفعت أسعار الأعلاف بنحو 30% بعد ارتفاع أسعار النفط وزيادة التأمين على البضائع من المخاطر، جراء الحرب في منطقة البحر الأسود التي تُعَدّ من أكبر المنتجين للأعلاف والحبوب والزيوت في العالم.
ولا يوفر إنتاج الذرة والصويا في سورية إلا 10% من احتياجات السوق، نظراً لحاجة تلك الزراعات إلى المياه بشراهة، الأمر الذي حوّل سورية منذ عقود إلى الاستيراد، بعد تراجع المساحات المزروعة بتلك المنتجات.
ويحذر الخبير الاقتصادي حسين جميل من فقدان الثروة الحيوانية في سورية، بسبب غلاء الأعلاف وحوامل الطاقة وانحسار المساحات الرعوية، إضافة إلى استمرار نظام الأسد في تصدير الخراف إلى دول الخليج العربي.
وأشار جميل إلى أنّ نسبة تراجع أعداد القطعان تزيد على 50% عمّا كانت عليه قبل الثورة عام 2011.
وكان مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بحكومة النظام السوري، أسامة حمود، قد أشار إلى فقدان الثروة الحيوانية نحو 40% إلى 50% من قطيعها، بسبب الارتفاع العالمي في أسعار الأعلاف.
ولفت حمود خلال تصريحات أخيراً، إلى وجود مشكلة كبيرة تهدد جهود ترميم الثروة الحيوانية، تتمثل بعدم قدرة المربين على الاستمرار بعملية التربية، ما يدفعهم إلى بيع قسم كبير من قطعانهم لتأمين احتياجات القسم الآخر.
وبحسب بيانات إدارة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة بحكومة الأسد، تقدَّر الثروة الحيوانية حالياً بنحو 832 ألف رأس بقر ونحو 15.4 مليون رأس أغنام، ولا يزيد عدد المزارع المرخصة المنتجة للدواجن على 6.9 ألف مزرعة.
وتفاقم مشكلة توافر الأعلاف مخاوف السوريين من حدوث أزمة جوع، إذ تشير التقديرات كذلك إلى تراجع محصول القمح لهذا الموسم، بسبب قلة الأمطار وغلاء المازوت لسقاية المزروعات.
وبحسب تصريحات وزير الزراعة في حكومة الأسد، حسان قطنا، لجريدة البعث المحلية أخيراً، فإنّ الزراعة البعلية "غير المروية" تأثرت كثيراً.