بعضهم يستدين كي يأكل وآخرون يصرفون مما ادخروا. كي تعرف حجم الانهيار الاقتصادي في لبنان عليك أن تفتح إحدى الثلاجات في بيوت سكانه، لا فواكه لا خضار ولا لحوم.
وتتبع ارتفاع أسعار هذه المواد قيمة مضافة تتحملها الأسر بسبب تلف الغذاء اليومي نتيجة الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي.
طبقاً للبنك الدولي فإن ما يقارب من نصف الدين العام، أي نحو 40 مليار دولار، يعود الى الإنفاق على قطاع الكهرباء.
وعلى الرغم من هذا المبلغ الضخم فقد عانى لبنان لسنوات من حالة التقنين الصارم (12 ساعة يومياً)، لكن منذ أشهر تصل ساعات التقنين في معظم المناطق إلى 22 ساعة يومياً.
عانى لبنان لسنوات من حالة التقنين الصارم (12 ساعة يومياً)، لكن منذ أشهر تصل ساعات التقنين في معظم المناطق إلى 22 ساعة يومياً
يعمل خضر محمد، وهو معيل لأسرة من أربعة أفراد، ناطوراً في المدرسة الإنجيلية في مدينة صيدا (جنوب لبنان). لا يتخطى راتبه الشهري 970 ألف ليرة (20 دولاراً).
يقول "قاطعنا اللحوم على أنواعها، بالإضافة إلى بعض الفواكه والخضار بسبب الغلاء، إلا أننا نضطر أيضاً لرمي ما يُفسد من الطعام القليل الذي نشتريه بسبب انقطاع التيار الكهربائي".
يضيف: "ندفع ما يقارب 300 ألف ليرة (6 دولارات) لاشتراك مولد الكهرباء مقابل 5 ساعات من التغذية ليلاً".
يشرح لنا "فسد نصف كيلوغرام لبنة وكلفته 18 ألف ليرة (أقل من دولار) في الأسبوع الماضي، على الرغم من أنه لا تتوفر لنا فرصة شراء اللبنة دائماً، وذلك بموازاة التغير الواضح في نوعيتها، وكأن التجار يخلطونها مع الماء".
أما عن وجبة الغذاء اليومي فيقول "نركز على الحبوب، مثل الفاصولياء والعدس على أنواعه، ومع ذلك نضطر لرمي ما تبقى أحياناً نتيجة تلفه في ظل ارتفاع درجات الحرارة أيضاً"، حسب محمد.
وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها، لتهبط من 1500 ليرة مقابل الدولار إلى نحو 21 ألف ليرة. وارتفع سعر صفيحة المازوت المدعوم على سعر 3900 ليرة من 33 ألف ليرة إلى 57 ألفاً. إلا أن رفع الدعم نهائياً عن المازوت سيضاعف السعر بنحو 5 مرات. ويستخدم المازوت لتغذية مولدات الكهرباء كبديل عن كهرباء الدولة.
خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها، لتهبط من 1500 ليرة مقابل الدولار إلى نحو 21 ألف ليرة
فارغة هي ثلاجة رنيم الجعفيل، إلا من وجبة غداء اليوم، وهي أم لثلاثة أطفال. تقول: "بالرغم من أننا نشتري الأجبان والألبان بالأوقية (ربع كيلوغرام) نظراً لسرعة تلفها وارتفاع أسعارها، نضطر أحياناً لرمي ما فسد بسبب انقطاع الكهرباء، فضلاً عن التغير في طعمها فهي لم تعد كما قبل".
تضيف: "كلفتني وجبة البطاطا مع البيض 35 ألف ليرة (أقل من دولار)، إلا أنني رميت ما تبقى منها".
أما عن تقنين الكهرباء فتقول: "هناك ساعتان لكهرباء الدولة وأحياناً لا تأتي أبداً و5 ساعات لكهرباء المولدات".
تشرح ندى نعمة، نائبة رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان، والمتخصصة بسلامة الغذاء، أن اللحوم والألبان والأجبان "تُعد من المواد المستهلكة شديدة الخطورة في ما يتعلق بعملية التبريد ثم التسييح وإعادة التبريد كونها تفسد بسرعة. فضلاً عن مشكلة الغش بحيث يتم تغيير تاريخ صلاحية الألبان، ما يسرع من فسادها في بيوت المستهلكين. إنها مشكلة قديمة جديدة في لبنان حيث يصلنا الكثير من الشكاوى يومياً حول فساد الأطعمة".
تلفت نعمة إلى "أن على المستهلك، وخصوصاً في هذه المرحلة ومع انخفاض قدرته الشرائية، أن يعرف حقوقه وواجباته، أي أن يعيد البضاعة إلى المتجر ويسترد ثمنها ويبلغ وزارة الصحة أو حماية المستهلك".
كذلك تنصح: "علينا تجنب شراء المواد المثلجة أو التي تحتاج إلى تبريد قدر المستطاع والعودة لعملية التيبيس والتجفيف لبعض المواد مثل: الفاصولياء واللوبيا وغيرهما، تفادياً لتلف المواد أو التسمم منها".
وتتسبب مشكلة انقطاع التيار الكهرباء بالإضافة للكلفة الإضافية التي تتحملها الأسر بضرب قطاع المطاعم.
صاحب مطعم ومقهى: استغنينا عن 50 في المائة من المثلجات وأبقينا فقط على تلك التي تحضر مع المشاريب
يقول صاحب مطعم ومقهى (ريماس) في مدينة صيدا: "نتكلف ما يقارب 100 ألف ليرة يومياً ثمن مازوت من السوق السوداء. أقفلنا المطعم أثناء الحجر مما تسبب بخسارة وتكرر الأمر في الفترة الأخيرة لساعات، عندما عجزنا عن تأمين المازوت. ندفع اليوم كلفاً إضافية لنبقى صامدين من دون أرباح".
يضيف: "لقد استغنينا عن 50 في المائة من المثلجات وأبقينا فقط على تلك التي تحضر مع المشاريب. أما عن الخضار واللحوم فقد خسرنا القليل سابقاً لكننا نشتري بقدر حاجتنا اليومية".
يشير خالد نزهة، نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم، إلى "أن المتبقي من المطاعم لا يتخطى 33 في المائة والباقي نحو الإقفال. إذ إن المطاعم، وخاصة الصغيرة منها، تدفع ما يقارب مليونين ونصف مليون ليرة مقابل 5 أمبيرات من الكهرباء".
يضيف: "تزاحمت العوامل التي ضربت القطاع؛ بدءاً من كورونا وانفجار المرفأ والوضع الأمني، ومن ثم تدني قيمة العملة وأخيراً قضية المازوت. لقد كان القطاع يشغّل ما يقارب 160 ألف لبناني في مختلف المجالات أما اليوم فبدأ يدق ناقوس الخطر".