أزمة السكن الإسرائيلية تتعمّق: غلاء فاحش رغم مزاعم انحسار التضخم

18 يونيو 2024
ورشة بناء سكني في شارع ابن جفيرول في تل أبيب، 24 مايو 2023 (أليكسي روزنفيلد/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إسرائيل تواجه أزمة سكن حادة بسبب ارتفاع أسعار العقارات، مما يجعل من الصعب على الغالبية تمويل شراء المساكن، وذلك نتيجة للعدوان المستمر على غزة وسياسات حكومة نتنياهو.
- الإجراءات الحكومية مثل يانصيب الشقق وزيادة الضرائب لم تنجح في السيطرة على الأزمة، مما يعكس فشل السياسات في معالجة جذور المشكلة ويشير إلى استمرار الأزمة دون حلول جذرية.
- حيفا تتصدر قائمة المدن الأكثر غلاءً في السكن، تليها تل أبيب ومناطق أخرى، مع استمرار ارتفاع الأسعار رغم انحسار التضخم، مما يعكس تفاقم الأزمة وينذر بتحديات اقتصادية أكبر.

رغم الحديث عن انحسار التضخم، تتعمّق أزمة السكن الإسرائيلية على وقع العدوان المستمر على قطاع غزة نتيجة الغلاء الفاحش في أسعار العقارات. إذ يدفع كيان الاحتلال ثمناً اقتصادياً باهظاً لعدوانه المتواصل على الفلسطينيين منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يُترجم في أحد أوجهه بأزمة سكن يتخللها غلاء فاحش لأسعار العقارات لم تعد معه غالبية الناس قادرة على تمويله، وهو ما يثير تململاً كبيراً من سياسات حكومة بنيامين نتنياهو التي تؤدي إلى رفع أسعار المساكن مع تضاؤل العرض ووقوع الأزواج الشباب في ورطة كبيرة.

فقد أحدثت حرب غزة سابقة اقتصادية في إسرائيل، حيث فشلت أسعار الفائدة المرتفعة في ردع مشتري المنازل ووقف ارتفاع أسعار المساكن التي قفزت بنسبة 4.5% منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقاً لتقرير أوردته صحيفة "غلوبس" المتخصصة يوم الأحد.

وتفيد الأرقام الرسمية بارتفاع أسعار الشقق في الربع الأول من عام 2024، بمعدل سنوي قدره 12%، فيما تلاحظ الصحيفة علاقة واضحة بين اندلاع الحرب وهذا التطور الذي تراه "مقلقاً". ومع ذلك، فخلال الأشهر الثمانية التي سبقت هذه الزيادة، وتحديداً بين مارس/ آذار ونوفمبر/ تشرين الثاني 2023، كانت أسعار المساكن قد انخفضت 2.5% تقريباً. لكن بعد شهر واحد من اندلاع الحرب، حصل التحوّل وعاد السوق إلى مستويات 2021-2022، عندما ارتفعت أسعار المساكن بنسبة تخطت 10% سنوياً.

وبدأت أسعار المساكن في سوق العقارات تنخفض عام 2023، بما يرجع أساساً إلى ارتفاع أسعار الفائدة وليس بسبب أي سياسة جديدة قدمتها حكومة نتنياهو التي، على العكس تماماً، تواصل تنفيذ سياسة عفا عليها الزمن والتي قدمها وزير المالية السابق موشيه كحلون قبل تسع سنوات.

ويشمل ذلك أساساً يانصيب الشقق للأزواج الشباب، وإبعاد المستثمرين عن السوق من خلال زيادة الضرائب، وزيادة تخطيط الأراضي وحصص التسويق. لكن سياسة كحلون فشلت، وقد حدث ذلك مراراً وتكراراً في عهد خلفائه في وزارات المالية والبناء والإسكان. إلا أن هذا لا يمنع الحكومة الحالية من الاستمرار في هذه السياسات، علماً أن ما أدى إلى اعتدال أسعار المساكن قبل العدوان الإسرائيلي الحالي هو رفع بنك إسرائيل المركزي أسعار الفائدة في فترة 2022-2023.

أزمة السكن الإسرائيلية .. الآتي أسوأ!

قتامة صورة الاقتصاد الإسرائيلي بسبب العدوان وتكاليفه وتداعياته غيّرت العديد من ذهنيات الناس بعدما استفحلت أزمة السكن الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة. في هذا الصدد، تلاحظ "غلوبس" تبدّلاً في تفكير الراغبين في شراء مساكن على عدة مستويات. الفكرة الأولى هنا، هي أن من الأفضل شراء شقة الآن بغض النظر عن سعر الفائدة، لأن الوضع الاقتصادي سيزداد سوءاً في المستقبل. والفكرة الثانية منطلقها التخوف من انحسار معروض الشقق بسبب الأزمة الحادة التي يشهدها قطاع البناء ونقص عدد العمال بعد استبعاد الفلسطينيين، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. أما الفكرة الثالثة فتنبع من عدم وجود سياسة إسكان واضحة، إذ يغيب أي مؤشر إلى أن نهج الحكومة في التعامل مع هذه المسألة سيتغير، وبالتالي، فالأسعار ستتخذ منحى صعودياً.

وانخفضت أسعار المساكن الحقيقية 2.3% عام 2023، بعد ارتفاعها خلال العامين السابقين. لكن الناس عموماً لم يؤمنوا بأن انخفاضات العام الماضي كان يمكن أن تستمر، لأن ثقتهم بالحكومة معدومة. فالناس توقعوا حدسياً أن تصعد الأسعار مجدداً، لذلك أخذوا المبادرة واشتروا شققاً. وفي مواجهة أزمة السكن الإسرائيلية المتفاقمة، أعلنت الحكومة مطلع يونيو/ حزيران الجاري، عن يانصيب إضافي لإسكان الأزواج الشباب. فقد تحدثت المديرية العامة لهيئة الأراضي عن زيادات في تسويق الأراضي، فيما تواصل إدارة التخطيط الإعلان عن خطط إسكان جديدة. وفيما تستمر هذه الخطوات حالياً "بشكل تلقائي"، فمن الواضح أنها غير مثمرة عملياً.

حيفا تقود غلاء المساكن الإسرائيلية

تتصدر حيفا موجة غلاء الشقق، حيث ارتفعت فيها أسعار المساكن 7% منذ أكتوبر/ تشرين الأول، وهو ما يمثل متوسط سعر أعلى يبلغ نحو 110 آلاف شيكل. وتلي حيفا منطقة تل أبيب، التي انتعشت من جديد منذ بداية الحرب بعدما عانت من انخفاضات كبيرة العام الماضي، حيث صعد سعر الشقة 5.3%، إلى ما متوسطه 160 ألف شيكل.

كما سجلت منطقة الشمال ارتفاعاً كبيراً خلال هذه الفترة بنسبة بلغت 5% إلى نحو 70 ألف شيكل على متوسط سعر الشقة. ولا تشكل المناطق التي تم إخلاؤها وقصفها في الشمال سوى جزء صغير من هذه المنطقة الكبيرة، التي تضم أيضاً مدناً مثل العفولة وطبريا وعكا ومجدال هعيمك.

ورغم الوضع الراهن، فإن السوق في هذه المنطقة يعتبر نشطاً للغاية من حيث ارتفاع الأسعار، وإن كان أقل من حيث عدد الصفقات المنجزة. (الدولار= 3.737 شواكل). وفي المنطقة الوسطى، بلغ متوسط ارتفاع أسعار الشقق 4.3% إلى ما يعادل 110 آلاف شيكل. وفي الجنوب الهادئ نسبياً هذه الأيام، زادت الأسعار 3.8% إلى نحو 55 ألف شيكل، بينما ارتفعت في القدس 0.6% فقط منذ بداية الحرب، بما يصل إلى 16 ألف شيكل لسعر الشقة المتوسطة.

أزمة السكن الإسرائيلية تتفاقم رغم انحسار التضخم

اللافت في أزمة السكن الإسرائيلية أن أسعار المساكن تستمر في الارتفاع الحاد رغم زعم بنك إسرائيل المركزي أن التضخم السنوي لا يزال ضمن نطاقه المستهدف. فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك 0.2% في مايو/ أيار المنصرم، وهو أقل بكثير من توقعات الاقتصاديين التي كانت تتراوح بين 0.5% و0.6%.

وفي الأشهر الاثني عشر حتى نهاية مايو، ظل معدل التضخم دون تغيير عن الشهر الماضي عند 2.8%، وفقاً للأرقام الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء يوم الجمعة الماضي. وكان الاقتصاديون يتوقعون أن يرتفع معدل التضخم إلى هامش بين 3.1% و3.2%، وهو أعلى من الحد الأقصى السنوي المستهدف من جانب بنك إسرائيل والبالغ 3%.

وشملت الزيادات البارزة في الأسعار في مايو، الفواكه الطازجة التي ارتفعت بنسبة 10.3%، بينما ارتفعت الملابس والأحذية بنسبة 2.2%، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والثقافة والترفيه بنسبة 1%. وارتفعت أسعار الأثاث والمعدات المنزلية وصيانة المساكن بنسبة 0.4%. في المقابل، شملت الانخفاضات البارزة الخضروات الطازجة التي تراجعت 2.4%، والأثاث والنقل اللذين انخفضا 1.7%.

وكان المكتب المركزي للإحصاء قد نشر أيضاً التغير في أسعار المنازل بين فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2024، ومارس وإبريل/ نيسان 2024، وتبين أنه في المتوسط، ارتفعت الأسعار 0.9%. وكان هذا هو الشهر الخامس على التوالي الذي ترتفع فيه الأسعار بعد عدة أشهر من الانخفاض.

وبالتوزيع حسب المناطق، ارتفعت الأسعار 0.8% في القدس، و0.5% في الشمال، و1.6% في حيفا. كما زادت الأسعار 0.6% في الوسط، و1.1% في تل أبيب، و0.9% في الجنوب. وارتفعت أسعار الشقق الجديدة بنسبة بلغت 0.9%. ولدى المقارنة بين مارس وإبريل 2024، ومارس وإبريل 2023، ارتفع مؤشر أسعار المساكن 2.1%. وبالتوزيع حسب المناطق، زادت الأسعار بنسبة 6.6% في حيفا، و3.7% في الشمال، و1.9% في القدس، و1.9% في المنطقة الوسطى، و0.1% في تل أبيب، و3.6% في الجنوب. إلا أن مؤشر أسعار المنازل الجديدة انخفض بنسبة 0.3%.

المساهمون