أذكت أزمة البحر الأحمر القائمة، المخاوف العالمية من ترجيحات بعودة التضخم للارتفاع مجددا في حال طول أمدها، بعد صراع قادته البنوك المركزية العالمية مع ارتفاع الأسعار، عبر زيادات أسعار الفائدة.
اليوم تضطر أغلب السفن إلى اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح الواقع جنوبي دولة جنوب أفريقيا، ممراً بديلاً عن مضيق باب المندب والبحر الأحمر، خوفا من هجمات قد تشنها جماعة الحوثي اليمنية.
و"تضامنا مع قطاع غزة" الذي يتعرض منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لحرب إسرائيلية مدمرة بدعم أميركي، يستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن بالبحر الأحمر تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من إسرائيل وإليها.
ودخلت التوترات في البحر الأحمر مرحلة تصعيد لافتة منذ استهداف الحوثيين، في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، سفينة أميركية بشكل مباشر.
فيما أعلن البيت الأبيض، في بيان مشترك لـ10 دول بعد ثلاثة أيام، أنه "ردا على هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، نفذت القوات الأميركية والبريطانية هجمات مشتركة ضد أهداف في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن"؛ وتكررت هجمات التحالف مساء أمس الاثنين بضرب عدة مراكز قالوا إنها تتبع جماعة الحوثي.
وارتفعت أسعار كلفة الشحن الوارد عبر مضيق باب المندب بنسَب وصلت إلى 170% بسبب هجمات الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما دفع شركات شحن لتعليق كل رحلاتها عبر المضيق.
عودة التضخم
ونبهت شركة "MSC" -أكبر شركة شحن في العالم- العملاء في بيان صحافي، إلى زيادات إضافية في أسعار بعض حركة الحاويات إلى الولايات المتحدة، بدءًا من 12 فبراير/ شباط المقبل.
بينما قالت شركة الشحن "Honor Lane" في بيان منفصل، إنها تتوقع "أن يستمر الوضع في البحر الأحمر لمدة تصل إلى ستة أشهر، وربما حتى عام.. إذا كان الأمر كذلك، نتوقع أن يستمر ارتفاع أسعار الشحن ونقص المعدات حتى الربع الثالث 2024".
وتنقل شبكة "CNBC" عن ستيفن شوارتز، نائب الرئيس التنفيذي لشركة ويلز فارجو للمستحقات العالمية والتمويل التجاري قوله: "لقد شعرت أوروبا بأكبر الأثر من الوضع في البحر الأحمر.. آثار ارتفاع الأسعار بدأت تظهر على السلع".
وأضاف أن تأخير الحاويات وانخفاض السعة، وأوقات العبور الأطول، "كلها (عوامل) تؤثر على تكاليف الشحن العالمية التي بدأت في التأثير على الشركات الأميركية كلما استمر الوضع في البحر الأحمر".
أوروبا وأميركا
وتشير تقديرات لمكتب الإحصاءات الأوروبية، أن تتسبب أزمة البحر الأحمر في ارتفاع التضخم بنصف درجة مئوية على مدى الربعين الأول والثاني من 2024.
وفي أوروبا، تضغط أزمة البحر الأحمر على آمال اقتصاد منطقة اليورو، في احتمالية خفض أسعار الفائدة خلال العام الجاري، من القمة التاريخية الحالية البالغة 4%.
وبهدف كبح التضخم، نفذ البنك المركزي الأوروبي 10 زيادات متتالية على أسعار الفائدة بدأت في يوليو/تموز 2022؛ وبينما كان المحللون يرجحون أن يقوم المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة 6 مرات في 2024، إلا أن توترات البحر الأحمر قد تؤجل هذا الخفض.
وفي الولايات المتحدة، عاد التضخم للارتفاع إلى 3.4% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من 3.1% في الشهر السابق له، وهو ارتفاع ما زالت توترات البحر الأحمر بريئة منه.
وتكمن مخاوف الفيدرالي الأميركي في أن تقود أزمة البحر الأحمر إلى وضع تأثيرات إضافية على التضخم اعتبارا من يناير الجاري، ما يعني تراجع الآمال بفرضية خفض الفائدة قبل نهاية النصف الأول 2024.
وتبلغ أسعار الفائدة في الولايات المتحدة حاليا 5.5% وهي أعلى نسبة منذ عام 2001، بحسب بيانات الفيدرالي الأميركي.
الشرق الأوسط
في الشرق الأوسط، لا تزال توقعات التضخم غير واضحة في العديد من الاقتصادات، خاصة وأن جماعة الحوثي لا تستهدف كافة السفن العابرة للممر المائي.
إلا أن ما بادر به الأردن قد يشكل نموذجا لأغلب الدول العربية المستوردة للنفط، في آلية التعاطي مع التوترات، واستباق أية تأثيرات على إمدادات السلع.
وفي 15 يناير الجاري، وجه رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، الوزارات والجهات المعنية في المملكة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات للتعامل مع الآثار التضخمية المحتملة على السوق المحلية؛ بسبب تطورات البحر الأحمر.
وقال الخصاونة في بيان: "وجهنا لتوفير مخزون وافر وكاف لكل المواد الأساسية، وأن تحافظ على أسعار هذه المواد الأساسية حتى نهاية شهر رمضان (بين مارس/ آذار وإبريل/ نيسان المقبلين) على الأقل، بصرف النظر عما قد نتحمله من كلف مرتبطة بذلك".
ووجّه إلى تشديد الأدوات الرقابية في الأسواق "والتحوط والتثبت من استمرارنا في الحفاظ على مخزون استراتيجي آمن من القمح والشعير وكل المواد الأساسية".
كما وجّه بمراقبة أوضاع وانتظام حركة الشحن، مشيرا إلى أن انتظام حركة الشحن والبواخر باتجاه ميناء العقبة لم تتأثر جذريا، "مع وجود تأخيرات بسبب لجوء الكثير من الشركات البحرية إلى عدم الولوج من مضيق باب المندب والذهاب باتجاه رأس الرجاء الصالح".
(الأناضول)