أزمة الأسواق الناشئة

21 ابريل 2021
الصين تستعيد عافيتها وتحقق أعلى معدلات النمو الاقتصادي
+ الخط -

متجاوزاً أغلب التوقعات، حقق الاقتصاد الصيني معدل نمو خلال الربع الأول من العام الحالي بلغ 18.3% مقارنةً بما كان عليه في الربع الأول من العام الماضي، الذي شهد اندلاع شرارة انطلاق الوباء الأخطر في ما يقرب من مائة عام من مدينة ووهان الصينية إلى أغلب البقاع حول العالم، وتجاوز عدد ضحاياه 3 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 140 مليون حالة إصابة. وأعطى معدل النمو القياسي لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وفقاً للعديد من المحللين، إشارة باقتراب الاقتصاد العالمي من استعادة جزء كبير مما فقده خلال عام الجائحة، خاصة مع ظهور علامات في نفس الاتجاه في ما يخص الاقتصادات الكبرى الأخرى، وعلى رأسها الاقتصاد الأميركي.

ووفرت الولايات المتحدة أكثر من مائتي مليون جرعة من اللقاح لمواطنيها، وصرفت ثالث وأكبر دفعات المساعدات النقدية للمواطنين، وفتحت المقاهي والبارات والمطاعم في أغلب الولايات، فواصلت المطالبات بتعويضات البطالة انخفاضها، لتسجل أدنى مستوياتها منذ ظهور الوباء، وتواصل مؤشرات الأسهم الأميركية ارتفاعها إلى مستويات قياسية جديدة، تجاوزت العشرين لمؤشري داو جونز وإس آند بي 500 منذ بداية العام الذي لم يمض منه أكثر من 75 يوم عمل.
وبخلاف ما تم تحقيقه بالفعل من انتعاش حقيقي في العديد من الاقتصادات الكبرى، أشارت بعض التقارير الصحافية الموثوق بها إلى أن مدخرات المستهلكين زادت منذ ظهور الفيروس حول العالم، بسبب الإعانات النقدية المقدمة من أغلب الحكومات، بما يقرب من 5.5 تريليونات دولار، الأمر الذي ينبئ بمزيد من الانتعاش مع اكتمال إعادة فتح الاقتصاد في تلك الدول.
وخلافاً لما حدث خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009، حين كانت التبعات الاقتصادية والمالية الأسوأ من نصيب الاقتصادات الكبرى، تشير تقديرات أغلب المحللين إلى أن الخاسر الأكبر في الأزمة الحالية ربما تكون الاقتصادات الناشئة والدول الأقل دخلاً، وهو ما أكده مسؤولو صندوق النقد الدولي خلال اجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين، التي عُقدت قبل أيام، من خلال تقنية الفيديو كونفرانس.
وبعيداً عن تقديرات المحللين وصندوق النقد الدولي، كان واقعاً أمامنا ما ظهر من تأثير لأزمة الوباء، وأوامر الإغلاق التي استهدفت الحد من انتشاره في أغلب بلدان العالم، ثم ما ترتب عليها من إيقاف رحلات الطيران وإغلاق بعض الدول لحدودها لفترات متفاوتة، حيث تراجعت إيرادات السياحة من العملة الأجنبية للعديد من البلدان الفقيرة والاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها مصر وتركيا.

وفي حين التزمت تركيا بسياسة سعر الصرف الحر التي اعتمدتها قبل سنوات، والتي ترتب عليها حدوث انخفاض كبير في قيمة عملتها، وارتفاع معدل التضخم الحقيقي، رغم رفع معدلات الفائدة على الليرة، الأمر الذي تسبب في إحداث تغير ملحوظ في سياساتها الخارجية في أكثر من ملف، تمسكت مصر بسياسة سعر الصرف المدار، الذي يحدده البنك المركزي المصري صباح كل يوم، ويطلب من أذرعه في السوق العمل به.
ومن أجل الاحتفاظ بالقدرة على تثبيت سعر الصرف ومنع ظهور سوق سوداء للعملة من جديد، استعان البنك المركزي المصري بالقروض الخارجية لتحقيق التوازن بين العرض والطلب من العملة الأجنبية، وهو ما أدى إلى ارتفاع الدين الخارجي المصري خلال عام الجائحة وحده ليصل إلى ما يقرب من 130 مليار دولار، بزيادة بنسبة 15% تقريباً عما كان عليه في بداية العام.
وامتدت آثار تراجع معدلات السفر والسياحة إلى اقتصاد مثل الاقتصاد النيوزيلاندي، الذي شهد عودة سريعة للانتعاش بعد السيطرة على الوباء في البلاد، إلا أن فقدان إيرادات السياحة تسبب في تراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الماضي. ولن تقتصر خسائر الاقتصادات النامية والناشئة على إيرادات العملة الأجنبية من السياحة، حيث تسبب ارتفاع معدلات الفائدة على سندات الخزانة الأميركية الأقل خطورة في العالم في اجتذاب جزء – حتى الآن – من الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين المحلية التي تصدرها تلك الاقتصادات.
وبخلاف التأثير الواضح على ما يتاح من العملات الأجنبية لتلك الاقتصادات، وما يمثله من ضغوط كبيرة على عملاتها المحلية، سيكون على تلك الاقتصادات رفع معدلات الفائدة لديها، من ناحية لتعويض ما فقدته من سيولة من السوق المحلية، ومن ناحية أخرى لمحاولة استعادة الأموال الهاربة باتجاه الأصول الأقل خطورة. وغني عن البيان ما تسببه معدلات الفائدة المرتفعة من أزمات إضافية لميزانيات تلك الدول المأزومة من قبل ظهور الوباء.
وتسبب ظهور الوباء، وما نتج عنه من تعطل سلاسل الإمداد لأسابيع وشهور، بتغير سياسات التوريد لدى الشركات الكبرى، الخاصة بالاعتماد على أسواق خارجية بعيدة في توفير احتياجاتها من المواد الأولية والسلع الوسيطة.
وأظهرت بيانات حديثة تراجع أرقام صادرات العديد من الاقتصادات النامية والناشئة، بصورة أثرت مرة أخرى على حصيلة العملة الأجنبية لديها، كما معدلات النمو المسجلة فيها.

وفي تقرير حديث لوكالة بلومبيرغ، أكد كبير الاقتصاديين لديها، توم أورليك، أن انتعاش الاقتصادين الأميركي والصيني يوحى بأن الاقتصاد العالمي، بكل مكوناته، في طريقه للانتعاش، إلا أن هذه الصحوة تخفي كثيراً من الاختلافات في الظروف والتطورات في ما بين الاقتصادات الكبرى والناشئة، وأيضاً بين الشركات الكبرى ومنافسيها الأصغر حجماً، بالإضافة إلى ما بين العمالة مرتفعة ومنخفضة المهارات، وهو ما يضع مزيداً من الضغوط على الاقتصادات النامية والناشئة، التي نعرف موقعها في تلك المقارنات.
ومع الأخذ في الاعتبار ما تسببت فيه ظروف فترة الوباء من تراجع رأس المال البشري في الدول الأفقر، بسبب ضعف إمكانات التعليم والتدريب والتطوير عن بعد فيها، يتبين حجم التحدي الذي ستواجهه تلك الاقتصادات خلال الفترة القادمة، حال استسلامها للتغيرات الحادثة حولها.
اختلفت أزمة الوباء عن الأزمات السابقة، ولا بد أن يكون تعامل الاقتصادات الأضعف معها، كما مع ما يحدث بعدها، مختلفاً عما حدث من قبل، بدوافع كثيرة، أهمها غريزة البقاء.

المساهمون