استمع إلى الملخص
- استجابة الحكومة تضمنت اجتماعًا طارئًا وضخ سيولة لتحقيق الاستقرار المالي، مع استعداد البنك المركزي للتدخل، وسط مخاوف من تأثير الأزمة على التصنيف الائتماني.
- تراجعت مؤشرات الأسهم والسندات وارتفعت عوائد السندات كملاذ آمن، مع تدفقات نقدية خارجة من المستثمرين الأجانب، مما يعكس تراجع الثقة في الاقتصاد الكوري وتحديات استعادة الاستقرار.
اهتزت أسواق كوريا الجنوبية بشدة عقب الإعلان عن الأحكام العرفية التي فرضها رئيس البلاد، يون سوك يول، يوم الثلاثاء وأدت إلى محاصرة قوات من الجيش مبنى البرلمان، وتراجعت الأسهم والعملة في كوريا الجنوبية خلال تعاملات أمس، إثر تبعات عدم اليقين السياسي الناجم عن إعلان يول الأحكام العرفية في البلاد. ورغم إلغاء الرئيس يول، تلك الأحكام فجر يوم الأربعاء، بفعل ردة فعل الشارع الشعبية السريعة والغاضبة، إلا أن الأسواق المحلية ظلت قلقة، حيث انخفض الوون الكوري إلى أدنى مستوى له منذ عدة سنوات، وتراجعت أسهم شركات الإلكترونيات الكورية الجنوبية العملاقة مثل سامسونغ إلكترونيكس، زاد من تلك الضغوط دعوة أكبر اتحاد للعمّال في كوريا الجنوبية للإضراب، وهو الاتّحاد الكوري لنقابات العمّال الذي يضمّ 1.2 مليون عضو، وإعلان عمال الصلب عن إضراب مماثل.
ضخ السيولة في أسواق كوريا الجنوبية
ودفعت هذه التطورات المتلاحقة وقلق المستثمرين والشركات وأسواق المال السلطات إلى عقد اجتماع طارئ للوزراء المعنيين بالاقتصاد برئاسة وزير المالية تشوي سانج-موك لبحث كيفية احتواء تلك المخاوف. كما تعهدت وزارة المالية في كوريا الجنوبية، الأربعاء، بتوفير "سيولة غير محدودة" في السوق المالية في البلاد إذا لزم الأمر لمساعدتها على الاستقرار.
وعلى الرغم من أن قرار فرض الأحكام العرفية تم العدول عنه بعد 6 ساعات من إعلانه، إلا أن ارتداداته تواصلت في الشارع وأسواق المال والصرف داخل الدولة الأسيوية. وهو ما أدى إلى حالة من عدم اليقين بالاقتصاد والسياسة، ومن المرجح أن يضعف الاضطراب السياسي المعنويات الاستثمارية في البلاد، إذا استمر الوضع المتوتر بين الرئيس والبرلمان الكوري الجنوبي الذي تهدد أحزاب المعارضة بعزله ومقاضاته مع معاونيه.
وتوقع مصرف "أي أن جي" في تحليل أمس الأربعاء، أن هذه الأحداث قد تؤثر على التصنيف الائتماني السيادي لكوريا الجنوبية، إذا لم تتم السيطرة عليها. ويقول البنك الهولندي: "في هذه المرحلة، لا نتوقع أي تغييرات على التصنيفات نفسها، إذا لم يتصاعد الوضع أكثر". ولكن أعلن الحزب الرئيسي المعارض أمس أنه تقدم بطلب لعزل الرئيس ومقاضاته. ومن المتوقع أن يساهم ذلك في تفاقم الأزمة وضرب معنويات المستهلكين والاستثمار والشركات ضربة كبيرة.
ولتهدئة أسواق المال، أعلنت وزارة المالية في كوريا الجنوبية عن استعدادها لضخ سيولة "غير محدودة" إلى الأسواق المالية لتحقيق الاستقرار. وقالت الوزارة إن "الحكومة ستوفر سيولة غير محدودة حتى تستقر أسواق الأسهم والسندات والتمويل قصير الأجل وأسواق العملات الأجنبية بالكامل"، مضيفة أن جميع الأسواق المالية وأسواق الصرف الأجنبي، وكذلك أسواق الأسهم، ستعمل بصورة طبيعية. ويهدف هذا النهج الاستباقي إلى طمأنة المستثمرين والتخفيف من أي آثار سلبية طويلة المدى على النمو الاقتصادي ناجمة عن الاضطرابات السياسية.
ويقدر حجم الاقتصاد الكوري الجنوبي في نهاية العام الماضي 2023 بنحو 1.713 تريليون دولار، وفق بيانات صندوق النقد الدولي. وتعد كوريا الجنوبية في المرتبة الثالثة عشرة من بين أكبر اقتصادات العالم ورابع أكبر اقتصاد في آسيا. وهي من الدول التي تتميز باقتصاد متطور يعتمد على التقنيات الفائقة في النمو الاقتصادي، مما جعل نصيب دخل الفرد مرتفعاً مقارنة ببقية اقتصادات آسيا.
تراجع البورصة
وفي سوق المال، تراجع مؤشر كوسبي، وهو المؤشر الرئيسي لسوق سيول المالي، يوم الأربعاء، وفق وكالة يونهاب للأنباء، وأغلق المؤشر متراجعاً بنحو 36.10 نقطة (1.44%)، وفق بيانات بورصة سيول، بسبب عدم اليقين السياسي نتيجة تداعيات لإعلان تطبيق الأحكام العرفية ورفضها، مما يعكس اتجاهًا أوسع لتراجع أسعار الأسهم وسط الاضطرابات السياسية.
ويشير هذا الانخفاض إلى تخوف المستثمرين بشأن استقرار الحكم في كوريا الجنوبية وتأثيره المحتمل على السياسات الاقتصادية. كما شهدت العملة المحلية" الوون" الكوري الجنوبي تقلبات كبيرة، حيث تراجع سعرها في بداية تعاملات أمس الأربعاء إلى أدنى مستوياته منذ عدة سنوات مقابل الدولار بعد إعلان الأحكام العرفية ولكنها تعافت جزئيًا بعد رفع الإعلان، مما يوضح دور القرارات السياسية المباشر على قوة العملة ومعنويات المستثمرين.
ويعتقد مصرف "آي أن جي" الهولندي في تحليله أمس الأربعاء، أن البنك المركزي الكوري (بنك كوريا)، لن يتخذ أي قرار بشأن سعر الفائدة، ولكن من المرجح أن يرسل رسائل مفادها أنه سيواصل العمل لتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية. ويرى التحليل أن البنك المركزي ربما يتدخل في السوق في أية لحظة إذا حصل اضطراب كبير في سعر الصرف أو في سوق المال داخل أسواق كوريا الجنوبية.
وحسب المصرف الهولندي تراجع سعر الوون الكوري إلى 1440 مقابل الدولار، ولكنه عاد للارتفاع في تعاملات منتصف النهار إلى 1417. ويرى مصرف "أي ان جي"، أن هنالك احتمالًا كبيرًا للتدخل من قبل السلطات النقدية في سوق الصرف الكوري الجنوبي.
استبعاد خفض أسعار الفائدة رغم الأحداث
من جانبه استبعد محافظ البنك المركزي الكوري، ري تشانغ يونغ، خفض أسعار الفائدة خلال الاجتماعات المقبلة، وقلل المخاطر التي تسببت بها الاضطرابات السياسية والتي أشعلتها خطوة فرض الأحكام العرفية من قبل الرئيس الكوري الجنوبي. وقال يونغ في مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ": "كان هذا الحدث السياسي قصيرا للغاية، ولا أرى سببًا يجعلنا نعدل نظرتنا الاقتصادية في هذه اللحظة، وأعتقد أنه يمكن التركيز على نقاط القوة والضعف في الاقتصاد بدلاً من الآثار الجانبية السياسية.
وأعرب عن ثقته في قدرة المسؤولين على التعامل مع الفوضى السياسية الواقعة، قائلًا إن السلطات لديها العديد من الأدوات للتعامل مع ما سماه "فترة انتقالية" في الشهرين المقبلين. وتابع: "يجب علينا التكيف مع الحدث، وأكد أنه قلق بشأن التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين التجاري العالمي وغيرها من القضايا الأساسية المحيطة بالاقتصاد الكوري". وعندما سُئل عما إذا كان هناك أي حد أدنى للعملة الكورية من شأنه أن يدفع البنك المركزي إلى اتخاذ إجراء، قال إن صناع السياسات لا يستهدفون مستوى محدداً.
وفي أسواق المال ووفق بيانات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" تراجع مؤشر القطاع المالي بنحو 4 في المائة، وهو ما يعكس القلق الاقتصادي العام. كما تراجعت أيضًا أسهم بعض أكبر الشركات في الدولة الأسيوية، حيث خسرت شركة سامسونغ للإلكترونيات 1%، وخسرت شركة هيونداي موتور أكثر من 2% وفق الصحيفة.
وكانت سوق الأوراق المالية في كوريا الجنوبية بالفعل من بين أسوأ الأسواق أداءً في العالم. ويذكر أن مؤشر الأسهم الكورية الجنوبية خسر أكثر من 7% هذا العام، وفق بيانات "نيويورك تايمز" أمس. وهذا التراجع يعكس تناقضاً كبيراً مع العديد من المؤشرات الرئيسية، في آسيا وأماكن أخرى، التي سجلت مكاسب بأرقام من خانتين.
على صعيد السندات السيادية لكوريا الجنوبية، ارتفعت عوائد السندات حيث سعى المستثمرون إلى أصول أكثر أمانًا وسط حالة من عدم اليقين. والأربعاء ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل ثلاث سنوات بمقدار 3.2 نقاط أساس إلى 2.621%، في حين ارتفع العائد القياسي لعشر سنوات بمقدار 5.3 نقاط أساس إلى 2.759%، وفق بيانات "ويرلد غفرمنت بوندز". ويشير هذا التحول إلى الهروب إلى الأمان بين المستثمرين القلقين بشأن عدم الاستقرار الاقتصادي المحتمل.
يذكر أن حجم الدين الوطني لكوريا الجنوبية بلغ 46.9% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، ارتفاعًا من 45.9% في عام 2022. ومن المتوقع أن يرتفع الدين بمقدار 329.7 مليار دولار بين عامي 2024 و2029، ليصل إلى ذروة جديدة تبلغ 1.3 تريليون دولار في عام 2029. وفق بيانات "ستات تيستا" المتخصصة في الاقتصاد الكلي.
وبالنسبة للاستثمار الأجنبي، كان رد فعل المستثمرين الأجانب سلبياً على التطورات السياسية، حيث بلغ صافي بيع الأسهم ما يقارب 408.8 مليارات وون (نحو 290 مليون دولار) على اللوحة الرئيسية خلال تداولات أمس. وغالبًا ما تكون مثل هذه التدفقات الخارجة علامة على تضاؤل الثقة في التوقعات الاقتصادية للبلد بسبب عدم الاستقرار السياسي. وفي حال لم يستقر الوضع في كوريا فسيكون ذلك أول صدمة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في آسيا.