أزمة اقتصادية تلوح في مصر: خبراء يحذرون من طبع النقود والتضخم

25 ابريل 2024
الخبراء خلال استعراض معلوماتهم في الندوة (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مصر تواجه أزمة اقتصادية حادة، مع تخوفات من عدم كفاية الصفقات المالية الإنقاذية بقيمة 45 مليار دولار لمواجهة المشكلات المالية، وتفاقم الأزمة بسبب استمرار طبع النقود وارتفاع أسعار الواردات والسلع الأساسية.
- النظام المصرفي يعاني من أزمة سيولة بسبب الالتزامات المفروضة لتوفير السيولة الدولارية، مع حسابات مكشوفة بنحو 29 مليار دولار وضغط مستمر على العملة المحلية.
- الأزمة الاقتصادية تؤثر سلبًا على القطاعات المختلفة، مع توقعات بتأثير سعر الفائدة المرتفع على تمويل الشركات وارتفاع أسعار السلع ومعدلات التضخم، وتراجع أداء سوق المال مع تراجع قيمة الجنيه بنسبة 300%.

أزمة اقتصادية بدأت تلوح في مصر، حيث قال اقتصاديون إن صفقات الإنقاذ المالي التي قدمتها الدول الداعمة للنظام ومؤسسات التمويل الدولية، بقيمة تصل إلى 45 مليار دولار، لن تمكن الحكومة من مواجهة المشكلات المالية، طالما تواصل زيادة معدلات طبع النقود التي ترفع معدلات التضخم، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الواردات والسلع الأساسية، وبقاء معدلات الفائدة على مستوياتها المرتفعة، دولياً ومحلياً حتى نهاية العام الجاري.  

أبدى خبراء الاقتصاد خلال ندوة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، مساء الاثنين، بهدف إلقاء "نظرة على الأسواق المالية بالربع الأول من عام 2024"، تخوفهم، من تسجيل البنك المركزي زيادة بقيمة الاحتياطي النقدي، بنحو 4 مليارات دولار، ليتجاوز نحو 40 مليار دولار، عقب وصول الدفعات الأولى من صفقة بيع مدينة رأس الحكمة للإمارات، وقروض صندوق النقد الدولي الشهر الماضي، دون أن يسرع ذلك في دفع مستحقات القطاع المصرفي المصري الذي تظل حساباته مكشوفة بنحو 21 مليار دولار.

أكد الخبراء أن النظام المصرفي ظلت حساباته مكشوفة طوال العامين الماضيين جراء إلزام البنك المركزي والحكومة البنوك بتوفير السيولة الدولارية للهيئات العامة واستيراد السلع الأساسية والمعدات التي تحددها الحكومة، إلى أن بلغت نحو 29 مليار دولار، ما سبّب أزمة سيولة داخل البنوك، بدأ حلها جزئيا بالتوازي مع تدبيرها نحو 4 مليارات دولار، هي قيمة الإفراج الجمركي عن البضائع المكدسة في الموانئ.  

قال الخبراء إن الضغط على العملة المحلية سيظل مستمراً، في ظل حاجة الدولة إلى نحو 20 مليار دولار إضافية لسداد التزاماتها المالية وسدّ الفجوة بين الصادرات والواردات، خلال العام المالي 2024-2025. حذر خبراء من تراجع عائدات المصريين بالخارج، في ظل مؤشرات دولية تؤكد تراجع معدلات النمو بدول الخليج، خلال عام 2024.  

أزمة اقتصادية متواصلة

توقع علاء الدين السبع، رئيس مجلس إدارة "بساطة القابضة للمدفوعات المالية" خلال الندوة، أن يؤثر سعر الفائدة المرتفع عند حدود 32%، بالتمويلات التي تحصل عليها الشركات لاستيراد السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج، وبميزانية الشركات، ما يدفعها إلى تحويل جزء من الخسائر التي تتحملها إلى السوق، تظهر أثرها في زيادة سعر السلع وارتفاع معدلات التضخم. 

أكد  السبع أن الفجوة بين الصادرات والواردات ستظل مستمرة لفترة زمنية طويلة، مطالباً الحكومة بأن تعمل على رفع معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، والاهتمام بالمصريين بالخارج، باعتبارهم أكبر مصدر دخل للدولة من العملة الصعبة، ومحذراً من التغيير المستمر منذ عام 2023، في نظم الضرائب على تعاملات البورصة، الأمر الذي يبقي أداءها متذبذباً، فلا تعكس الغرض الأساسي من وجودها.  

أضاف هاني توفيق، الأمين العام السابق للجمعية المصرية للأوراق المالية في كلمته، أن أداء سوق المال تراجع في الآونة الأخيرة، بما ألقى بمصر خارج كل مؤشرات الأسواق الناشئة على مستوى الأسهم والسندات، مبيناً تأثر أداء البورصة بشدة بتصريحات المسؤولين، وارتفاع معدلات التضخم، والتغير المستمر في سعر الصرف. 

 أكد توفيق أن تراجع قيمة الجنيه، مقابل الدولار بنسبة بلغت 300%، منذ فبراير/ شباط 2022، حتى نهاية مارس/آذار 2024، أحال البورصة إلى أداة لحفظ القيمة، حيث أقبل المتعاملون على شراء الأسهم، التي حققت نسبة نمو بلغ 275%، هرباً من الجنيه المتراجع خلال الفترة نفسها، ما لبثت أن تفقد تلك العوائد بمجرد تعويم سعر الجنيه الشهر الماضي.

أشار توفيق إلى أهمية عودة الأموال الساخنة في السوق المحلية، في تنشيط سوق المال، مع رفضه أن يلجأ البنك المركزي إلى توظيف تلك الأموال في الاحتياطي النقدي، والحفاظ على قيمة الجنيه من التراجع، بما يهدر الزيادة في الاحتياطي من العملة الصعبة، ويسقط الاقتصاد في فخ الأموال الساخنة، مرة أخرى، على غرار ما حدث بعد أزمة مارس 2022، التي أفقدت البلاد نحو 22 مليار دولار من الاحتياطي النقدي خلال أيام.  

وقال إن صفقات الإنقاذ المالي التي تقدمها الدول الداعمة ومؤسسات التمويل الدولية لن تزيد على 45 مليار دولار، يصل 38 مليار دولار منها خلال 2024، مشيراً إلى ضرورة وجود سياسات مالية واضحة بالتوازي مع التشدد النقدي الذي يتبعه البنك المركزي، لإنهاء الأزمة المالية، وإخراج الدولة من المنطقة عالية المخاطر، بعد أن تغيرت نظرة مؤسسات التصنيف الائتماني من سلبية إلى مستقرة، دون حدوث تغيير حقيقي في علاج أزمة اقتصادية في مصر.

تكلفة التمويل

توقع أحمد كوجوك، نائب وزير المالية للسياسات المالية، أن تظل تكلفة التمويل للدول والمؤسسات مرتفعة خلال الفترة القادمة، مع تغير النظرة إلى توجه الفيدرالي الأميركي خفض الفائدة عدة مرات، والتي سادت الأسواق، الأشهر الماضية.

وأشار إلى توقع تباطؤ التراجع، في سعر الفائدة، وإن تباطأت معدلات التضخم، داخل الولايات المتحدة، التي تقود التغير في سعر الفائدة على مستوى العالم. أكد كوجوك أن هذه الظاهرة ستؤثر في مصر، بأن يظل التراجع في سعر الفائدة أبطأ وأقل وتيرة مما يحدث في الولايات المتحدة، بما يعادل 4 أضعاف قيمتها محلياً، وبنحو ضعفي القيمة عن المستويات السائدة في الاتحاد الأوربي.

أبدى كوجوك حذره من استمرار التباين في أسعار الطاقة، وعدم انضباط أسعار السلع الأساسية بالأسواق، ووجود أرقام مفزعة لدى خبراء صندوق النقد، عن تداعيات الحرب في غزة، التي ستؤثر سلباً في المنطقة. ولفت نائب وزير المالية إلى تقرير صادر الأسبوع الماضي، عن صندوق النقد الدولى، حول أداء المنطقة العربية اقتصادياً.

ولفت إلى أن استمرار تداعيات التوتر فى منطقة البحر الأحمر سيؤدي إلى تراجع مرتفع جداً بصادرات دول المنطقة، خصوصاً الدول الملاصقة بنحو 10%، وخفض معدل النمو بنحو 1% سنوياً، ورصد التقرير تراجعاً شديداً في المؤشرات الاقتصادية كافة على مدار 20 عاماً حتى عام 2020 لدول المنطقة، وحول مشكلة التضخم.

ولفت كوجوك إلى أن السلع الغذائية تشكل 45% من الوزن النسبي في سلة التضخم، وهي المحرك الرئيسى للتضخم في مصر، التي تحرك أسعار السلع الغذائية صعوداً أو هبوطاً يؤثر في التضخم بشكل كبير. 

واستعرض عمر الشنيطي، الشريك التنفيذي، الأستاذ في الجامعة الأميركية بالقاهرة والمستشار بالمركز التغييرات التي تحدث في أسواق مجموعة الدول المتقدمة، باعتبارها محرك التغيير بمجموعة الدول الناشئة، والتي يتأثر بها اقتصاد مصر.

بين الشنيطي أن عام 2022 شهد ارتفاعات كبيرة بأسعار السلع العالمية، وهو ما سبّب ارتفاع نسب التضخم عالمياً لمستويات وصلت إلى 8 – 9% في أميركا والاتحاد الأوروبي، مبيناً أن مستويات أسعار السلع عادت للانخفاض خلال الربع الأخير من عام 2023 والربع الأول من 2024، بما أدى إلى تراجع التضخم بهذه الدول لنسب تراوح بين 2 – 3%، مع بروز مناقشات واسعة حول خفض متوقع لأسعار الفائدة بالأسواق العالمية نتيجة تراجع موجات التضخم، التي ستؤثر بالتبعية في مجموعة الدول الناشئة ومصر. 

أشار الشنيطي إلى أن مجموعة الدول الناشئة ما زالت تشهد معدلات تضخم مرتفعة بأرقام تراوح ما بين 15% و20%، لافتاً إلى أن هناك توقعات بانعكاس التغيرات العالمية على الأسواق الناشئة بتراجع التضخم، ولكن حتى الآن لم يحدث هذا التأثير بالشكل المطلوب، حيث لم تقم أي دولة من الدول الناشئة بخفض معدلات الفائدة للحفاظ على قيمة عملاتها المحلية ومواجهة ظاهرة الدولرة وجذب الاستثمارات في المحافظ المالية.

أوضح الشنيطي أنه بينما كانت الصورة سلبية عن مصر، في أول شهرين من العام الجاري "يناير وفبراير" نتيجة مخاوف من التخلف عن سداد الالتزامات الدولية، حدث تغير إيجابي في مارس بتوقيع اتفاق صندوق النقد الدولي واتفاق مشروع رأس الحكمة الاستثماري مع الإمارات، ما أدى إلى تحسن التصنيف الائتماني والنظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، وانعكس على تراجع أسعار الفائدة على السندات المصرية من 32% إلى 26%.

وأكد أنه حتى الآن لم يظهر تأثير هذه التغيرات الإيجابية في معدلات نمو الناتج المحلى، حيث ما زال التضخم عند مستويات مرتفعة ما بين 33 و36% بسبب تخفيض سعر الصرف وارتفاع أسعار الطاقة، ونموّ المعروض النقدي، وهو ما يرجّح استمرار ارتفاع التضخم. وأوضح أن أداء البورصة المصرية تعرّض للتذبذب، حيث ارتفعت بنحو 70% عام 2023، ووصلت إلى مستويات قياسية قبل التعويم، ولكنها عاودت الانخفاض بعد التعويم، مدفوعاً بشراء الأسهم بغرض التحوط من المخاطر الاقتصادية وليس الاستثمار. 

المساهمون