أزمة احتراق الغاز في العراق.. الحل في الخليج

30 سبتمبر 2024
استثمارات خليجية في الغاز المصاحب بالعراق / البصرة 13-12-2023 (فرانس برس)
+ الخط -

يعاني العراق من انقطاع الكهرباء خاصة في مواسم الذروة مثل فصل الصيف، ما سلط الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه دول الخليج العربية في حل أزمة الثروة الضائعة من الغاز المصاحب في العراق من جانب، وتوسيع محافظها الاستثمارية من جانب آخر. 

تسعى دول الخليج، وخاصة قطر والسعودية، إلى استغلال ثروة الغاز المحترق في العراق، والتي تُعتبر هدرًا كبيرًا للموارد، ففي عام 2023 أبرمت قطر اتفاقيات مع العراق لتطوير مشاريع بقيمة 9.5 مليارات دولار، بما في ذلك إنشاء محطتين لتوليد الكهرباء بمولدات تعمل بالغاز، بقدرة إجمالية تصل إلى 2400 ميغاوات. أما السعودية فتسعى إلى تعزيز استثماراتها في العراق، حيث وقعت وزارة التخطيط العراقية في إبريل/نيسان الماضي، 12 مذكرة تفاهم مع شركات سعودية لمشاريع استثمارية نوعية، تهدف إلى تحسين البنية التحتية للطاقة وتوفير بدائل للغاز الإيراني.

وتهدف بغداد من تعاون هكذا مع دول الخليج إلى تقليل الاعتماد على الغاز الإيراني وتحسين إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق، حيث يُحرق العراق كميات كبيرة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط، مما يعيق التنمية الاقتصادية، بحسب إفادة خبيرين لـ "العربي الجديد". كما وقعت شركة غاز الجنوب العراقية اتفاقيات مع شركات عالمية مثل شل وميتسوبيشي لاصطياد الغاز المحترق في أواخر عام 2023، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، فوفقاً لتقرير نشرته لجنة برلمانية عراقية في فبراير/شباط الماضي، أنفق العراق 81 مليار دولار بين عامي 2005 و2020 على تطوير قطاع الطاقة دون تحقيق نتائج ملموسة. 

وتكشف هذه الأزمة عن تحديات كبيرة يواجهها العراق في تلبية احتياجاته من الغاز، رغم كونه ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك والسادس عالمياً. وفي هذا السياق، أفادت مصادر خاصة "العربي الجديد" أن الاعتماد المفرط على إيران لتوريد الغاز بأسعار مرتفعة، إلى جانب إهمال البنية التحتية والفشل الإداري والفساد، تعد من أبرز أسباب هذه الأزمة. 

أسباب أزمة الغاز في العراق

وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن العراق يواجه تحديات كبيرة في تلبية احتياجاته من الغاز لأسباب متعددة، على رأسها الاعتماد المفرط على إيران لتوريد الغاز بأسعار مرتفعة، إلى جانب إهمال البنية التحتية والفشل الإداري والفساد.

ويساهم تهريب الوقود إلى إقليم كردستان العراق وسورية، وغياب الاستقرار السياسي والأمني، وانتشار المليشيات المسلحة، في تفاقم المشكلة، بحسب إسماعيل، مشيرا إلى أن العراق يعد ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك والسادس عالمياً، ومع ذلك فهو يحرق نسبة كبيرة من الغاز المصاحب لإنتاج النفط في حقول الجنوب ولا يستخدم التكنولوجيا اللازمة لاصطياد هذا الغاز والاستفادة منه لتلبية الاحتياجات المحلية.

ووفقاً لاتفاقيات سابقة، تقوم إيران بتزويد العراق بـ 50 مليون متر مكعب من الغاز يومياً ضمن اتفاق مقايضة، حيث تستلم إيران النفط والوقود العراقي مقابل ذلك، بحسب إسماعيل لافتا إلى أن العراق استلم 9 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني عام 2023. ويعاني العراق من انقطاع الكهرباء لفترات تتراوح بين ست وعشر ساعات يومياً، مع توقف الإمدادات الإيرانية أحياناً، رغم أنه ينفق 4 مليارات دولار سنوياً على استيراد الغاز الإيراني، ما يراه إسماعيل مثيرا للتعجب، لافتا إلى إعلان لجنة برلمانية أن العراق أنفق 81 مليار دولار بين عامي 2005 و2020 على تطوير قطاع الطاقة دون تحقيق نتائج ملموسة.

ولمعالجة هذا الوضع، يلفت إسماعيل إلى إصدار الحكومة العراقية تراخيص لأعمال تنقيب في 11 بلوك غاز، وتوقيعها اتفاقاً مع شركة توتال إنيرجي عام 2021 لتطوير قطاعات الغاز والكهرباء والبنية التحتية. كما يتوقع إسماعيل أن يساهم تحسن العلاقات بين العراق والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في دعم المزيد من المشاركة الخليجية لمساعدة العراق في الخروج من أزمة نقص الغاز الطبيعي، مشيرا في هذا الإطار إلى مشاركة سعودية أخيرا في بناء محطات تستغل الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.

وكان صندوق الثروة السيادي السعودي قد أعلن، في عام 2022، عن إنشاء شركة جديدة برأس مال 3 مليارات دولار للاستثمار في العراق، وهي ضمن برنامج سعودي للاستثمار في خمس دول عربية، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء العراقية "واع". ويخلص إسماعيل إلى أن استقرار الأوضاع الجيوسياسية وتحسن العلاقات مع دول الخليج من شأنهما أن يفتح المجال أمام العراق للمزيد من المساهمات في مشاريع الغاز الطبيعي ومشاريع الطاقة بشكل عام. 

مشكلة احتراق الغاز في العراق

وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، وضاح طه، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط يمثل مشكلة قديمة ومستمرة، تسبب خسائر اقتصادية وبيئية كبيرة للعراق، مشيرا إلى أن الحلول لهذه المشكلة معروفة ومتمثلة في استثمار الغاز واستخدامه بدلاً من حرقه، خاصة في مجال إنتاج الكهرباء، لما له من فوائد اقتصادية وبيئية.

ومنذ عام 2003، لم تكن هناك محاولات جادة لاستثمار الغاز في العراق، رغم وجود فرص عديدة خلال العشرين سنة الماضية، بحسب طه، لافتا إلى أن الغاز في العراق يكون مصاحباً لاستخراج النفط الخام، ويتم فصله من خلال محطات خاصة ثم يُحرق. ويعزو طه هذا الإهمال إلى "تلكؤ واضح وإخفاق من وزارة النفط"، حسب تعبيره، وأشار إلى احتمال وجود أبعاد سياسية أخرى وراء هذا الإخفاق، لافتا إلى مشكلة أخرى تتمثل في استيراد العراق للغاز من إيران بتكلفة مرتفعة، تصل أحياناً إلى ثلاثة أضعاف السعر العالمي. 

وبمقارنة بسيطة بين أسعار استيراد الغاز من إيران لكل من العراق وعُمان يظهر الفارق الكبير بينهما، بحسب طه، مشيرا إلى أن الفرص كانت متاحة على مدى السنوات العشرين الماضية لاستيراد الغاز من مصادر أخرى بتكاليف أقل. ومن المفترض أن يبدأ العراق في إنتاج إضافي للغاز في عامي 2025 و2026، وفقاً لما ذكره طه، إلا أنه يرى أن اهتمام وزارة النفط بهذا الملف لا يزال لا يتناسب مع أهمية هذا المورد وما يمكن أن يشكله من إيراد إضافي مهم للعراق.

ويخلص طه إلى حتمية إيلاء المزيد من الاهتمام لاستثمار الغاز في العراق، نظراً لأهميته الاقتصادية والبيئية، وإمكانية تحويله من مصدر للهدر إلى مورد مهم للدخل الوطني.

المساهمون