ينجرف اليمن إلى مزيد من المتاعب مع دخول الحرب عامها الثامن، وخلافا للتدهور الاقتصادي الحاد واتساع رقعة المجاعة أكثر من أي وقت مضى، ضاعفت الحرب الأوكرانية من أعباء أزمة إنسانية ظلت الأمم المتحدة تصنفها على مدار سنوات في خانة الكوارث الأسوأ على مستوى العالم.
وخلافا للتبعات السريعة التي ألقتها الأزمة الأوكرانية من حيث ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، يقف ملايين اليمنيين أمام مفترق طرق، في ظل مخاوف من المعايير المزدوجة للدول الكبرى إزاء أزمات دول العالم الثالث وانصراف مجتمع المانحين صوب أزمات أخرى، بما يؤدي إلى نضوب الأموال الموجهة كل عام لتمويل الأنشطة الإغاثية الأممية ومحاربة الجوع.
ومساء اليوم الأربعاء، تستضيف حكومتا السويد وسويسرا، مؤتمر دعم خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2022 في اليمن، حيث تأمل الأمم المتحدة أن تجني هذا العام 3.9 مليارات دولار، كتعهدات من المانحين.
وتبدو الأمم المتحدة في مأزق حقيقي هذا العام، كون المؤتمر جاء في ذروة انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية، وفي مسعى منها لتذكير المجتمع الدولي بالأزمة اليمنية المهددة بالنسيان، أوفدت الممثلة الأميركية ومبعوثة مفوضية شؤون اللاجئين أنجلينا جولي، إلى عدن وصنعاء مطلع مارس/آذار الجاري، من أجل لفت الانتباه.
لم تكن زيارة النجمة الأميركية والتي سبقتها زيارة المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، كافية في نظر الأمم المتحدة، وقبل يومين من انطلاق مؤتمر تعهدات المانحين، حذرت 3 وكالات إغاثة أممية من أن عدد الأشخاص الذين يعانون من ظروف كارثية من الجوع في اليمن، سيتضاعف خمس مرات، بحلول نهاية العام الحالي.
وتخشى الوكالات الأممية، أن تؤدي حرب أوكرانيا إلى صدمات استيراد كبيرة وزيادة أسعار المواد الغذائية، خصوصا وأن 40% من واردات قمح اليمن، تأتي من روسيا وأوكرانيا.
حجم المخاطر
لا تتوقف المنظمات الأممية عن إطلاق تحذيرات تلو أخرى من مخاطر المجاعة في اليمن مقرونة بأرقام متفاوتة دائما ما تستند إلى تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. من إجمالي 30 مليون نسمة هم تعداد سكان اليمن، قالت الأمم المتحدة، يوم الإثنين الماضي، إن 17.4 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية، وإن نسبة متزايدة من السكان تقدر بـ 1.6 مليون نسمة، تتعامل مع مستويات طارئة من الجوع.
وتتوقع الأمم المتحدة، أن يزداد الوضع سوءاً بين يونيو/حزيران وديسمبر/ كانون الأول 2022، حيث من المحتمل أن يصل عدد الأشخاص الذين قد لا يتمكنون من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية إلى رقم قياسي يبلغ 19 مليون شخص في تلك الفترة.
لكن هناك من يرى أن الأرقام المعلنة كبيرة جداً مقارنة بحجم المساعدات الجارية، وذلك من أجل حشد التمويلات، ويؤكد مصدر في برنامج الغذاء العالمي لـ"العربي الجديد"، أنه يتم توزيع مساعدات غذائية لنحو 5 ملايين نسمة فقط.
خلافا للعناوين العامة التي تتحدث عن نسب متفاوتة من الجوع والاحتياجات الغذائية، كشفت الأمم المتحدة في اليومين الماضيين، عن انزلاق 31 ألف يمني إلى المرحلة الخامسة من تصنيف المجاعة، وقالت إن العدد مرشح للارتفاع خمسة أضعاف بحلول النصف الثاني من العام الجاري، أي إلى 161 ألف نسمة.
وتستند الأمم المتحدة في هذا التصنيف الأول من نوعه عن وجود يمنيين في المرحلة الخامسة من المجاعة الفعلية، إلى التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي يعاني من أوجه قصور واضحة وفقا لمؤسسات دولية اقتصادية، وخصوصا في اليمن، حيث تغيب المعايير الرئيسية لإعلان مجاعة، ابتداء من شح البيانات الكافية عن سوء التغذية والوفيات وحجم سبل كسب العيش.
وإضافة إلى ذلك، لم تتمكن المنظمات الأممية من إجراء أي عمليات تقييم ميدانية في المناطق الخاضعة للحوثيين في مناطق شمال اليمن، حسب مصدر أممي تحدث مع "العربي الجديد"، مشيرا إلى أن آخر المسوحات الميدانية كانت في العام 2018.
وفيما لا يُعرف الأثر الحقيقي لتمويلات المانحين على حجم المجاعة داخل اليمن وخصوصا في ظل التدهور المتسارع للاقتصاد، يرى خبراء أن تراجع تعهدات المجتمع الدولي، سينعكس بشكل سلبي على الريال اليمني المتأرجح في الأساس عند 1250 أمام الدولار الواحد في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دولياً.
وفقا للخبير الاقتصادي اليمني، محمد قحطان، فإن تقليص الدعم الدولي سيؤدي إلى انخفاض التدفق النقدي بالعملات الأجنبية، وهو ما سيعمل على توسيع الفجوة بين العرض والطلب على العملة الأجنبية وارتفاع أسعار الدولار مقابل الريال، الأمر الذي سيؤدي لارتفاع أسعار كافة السلع المستوردة.
وقال قحطان وهو أستاذ مادة الاقتصاد في جامعة تعز لـ"العربي الجديد"، إن أي انهيار للريال أكثر مما هو عليه الآن بالإضافة إلى تداعيات الأزمة الأوكرانية، سيضاعف بلا شك رقعة انتشار المجاعة، وسيدفع الوضع المعيشي والإنساني إلى مستويات كارثية ما لم يحصل تدخل حكومي ودعم إقليمي.
ثقب أسود يلتهم التمويلات
رغم السخاء الملحوظ من مجتمع المانحين طيلة سنوات الحرب السابقة، إلا أن تدفق الأموال لم ينجح في كبح التدهور الاقتصادي ومعالجة الأزمة الإنسانية، حيث تُتهم أطراف الصراع اليمني بالعمل على خلق المجاعة وذلك بإثراء السوق السوداء للخدمات الأساسية بما يدر أموالاً باهظة يتم تسخيرها لتمويل الحرب، كما هو حاصل في مناطق الحوثيين.
من خلال تقصي "العربي الجديد" لخطط الاستجابة الإنسانية التي تصدرها الأمم المتحدة منذ العام 2015 وحتى العام 2021، فقد بلغ حجم الأموال التي تدفقت إلى اليمن عبر مؤتمرات الأمم المتحدة، حوالي 14.8 مليار دولار.
عقب اندلاع الحرب أواخر مارس/آذار 2015، شرعت الأمم المتحدة على الفور في طلب 1.6 مليار دولار للاستجابة الإنسانية، لكنها لم تتلق سوى 800.9 مليون دولار، وفقا للبيانات الرسمية التي اطلع عليها "العربي الجديد".
وقفز حجم التمويلات الدولية للمرة الأولى في العام 2018 إلى نحو 2.5 مليار دولار، لكن أضخم تمويل على الإطلاق تتلقاه الأمم المتحدة كان في العام الذي تلاه، حيث بلغ حجم تعهدات المانحين لخطة العام 2019، حوالي 3.64 مليارات دولار، وهو ما جعل المسؤولين الأمميين يشيدون حينها بالكرم اللافت.
أدى ذلك التمويل القياسي إلى رفع طموحات الأمم المتحدة في العام 2020 عندما طالبت بـ 3.38 مليارات دولار، لكنها أصيبت بخيبة أمل عندما لم تتلق سوى 1.9 مليار دولار، وذلك جراء الانكماش الناتج عن جائحة فيروس كورونا، قبل أن يعود التعافي للاقتصاد العالمي في العام 2021 ويساهم في حشد تمويلات بلغت قيمتها 2.8 مليار دولار.
ومع بروز أزمة كبرى خطفت أنظار وتمويلات المانحين هذا العام، من المرجح أن تتحمل السعودية والإمارات العبء الأكبر من حجم تمويلات الخطة الأممية للعام الحالي، باعتبار الرياض وأبوظبي طرفين رئيسيين في الحرب إضافة إلى قدرات البلدين الاقتصادية وخصوصا في أعقاب القفزة التي شهدتها أسعار النفط خلال الفترة الماضية.
وخلافا لعدم الكفاءة في إدارة التمويلات وذهاب نحو 30% منها كنفقات تشغيلية للمنظمات الأممية والشركاء المحليين، تُتهم السلطات الحوثية التي تشرف بشكل مباشر على المكاتب الرئيسية لوكالات الإغاثة في العاصمة صنعاء، بالتسبب في هدر الأموال وحرف مسار المساعدات.
في المقابل، دائما ما تطالب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الأمم المتحدة بتخصيص ولو جزء من التمويلات للتنمية ودعم الاقتصاد واستقرار العملة من خلال صرف الأموال عبر البنك المركزي في عدن، لكنها لا تجد أي تجاوب رغم الوعود المتكررة.
وحسب أفراح الزوبة، وهي المديرة التنفيذية للجهاز الحكومي الخاص بتسريع استيعاب تمويلات المانحين، لا توجد حتى الآن رؤية لدى المنظمات والدول المانحة حول كيفية تحويل جزء من التمويلات ذات البعد الإغاثي إلى بُعد مستدام في الجانب التنموي، حيث يعتقد المانحون أن الأموال التي تُقدم تحت مظلة عمل إنساني يجب أن توجّه في هذا الجانب فقط.
وقالت المسؤولة اليمنية في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لذلك نحن نعتبر أن كل ما يمكن أن يساهم في تخفيف ضغط الأزمات الاقتصادية والمعيشية للمواطنين قيمة مضافة (..). الحكومة حريصة على تقديم التسهيلات للوكالات الإغاثية في إيصال الدعم للفئات المستهدفة وعدم فرض أي قيود كتلك التي يفرضها الحوثيون والتي تصل إلى مستوى الرقابة الأمنية على المنظمات بما يخدم أجندة المليشيا" (في إشارة إلى الحوثيين).
من يتقاسم أموال المانحين؟
وفقا لخطة الاستجابة الإنسانية التي تم تنفيذها حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، هناك 133 منظمة نفذت الخطة الأممية في جميع المديريات اليمنية، حيث نشطت ثماني وكالات تابعة للأمم المتحدة في 332 مديرية، و45 منظمة غير حكومية دولية في 253 مديرية، فيما نشطت 80 منظمة غير حكومية محلية في 318 مديرية.
ويجري تسخير أغلب التمويلات لقطاع الأمن الغذائي والزراعة الذي يعمل فيه أكبر عدد من المنظمات، مع وجود 60 منظمة يتصدرها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).
كان وزير التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، واعد باذيب، قد قال خلال فعاليات مؤتمر الأسبوع العربي للتنمية الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة منتصف فبراير/ شباط الماضي، إن الحرب في اليمن ألحقت باقتصاد البلاد انكماشاً يناهز 50% وخسائر فادحة تصل إلى نحو 126 مليار دولار.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الحكومية، حينها عن باذيب قوله إن نسبة الانكماش هذه جاءت بحسب نتائج دراسة أعدها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، لافتا إلى تسبب الصراع في ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 35%، وامتداد الفقر إلى حوالي 78% من السكان، فضلاً عن حدوث تدهور حاد في منظومة الخدمات الاجتماعية الأساسية نتيجة اتساع دائرة الصراع.
وأضاف الوزير أن "الحرب تسببت في تراجع اليمن في مؤشرات دليل التنمية البشرية، وبات تصنيفه ضمن أدنى 12 دولة في العالم، ونزل للمرتبة 178 من أصل 189 دولة عام 2019".