استمع إلى الملخص
- التغييرات تضمنت إسناد وزارة الصناعة لشخصية عسكرية وتعيين مصرفي على رأس وزارة التموين، مما يشير إلى توجهات جديدة قد تؤثر على السياسة الصناعية وإدارة السلع الاستراتيجية.
- تثار تساؤلات حول قدرة الحكومة الجديدة على معالجة الأزمات الاقتصادية مثل الغلاء، التضخم، والدين العام، وتحديات مثل انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الغذاء، وستكون الخطط المستقبلية حاسمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
أزمات مصر أكبر من مجرد اجراء تعديل وزاري حتى لو تضمن تغيير معظم وزراء المجموعة الاقتصادية كما جرى، ذلك لأن الأزمة المالية والاقتصادية العميقة التي تمر بها البلاد بحاجة إلى خطط واضحة يجري تنفيذها على الفور ودون تأجيل، وحكومة لديها كل الصلاحيات، وتغير جذري في السياسات المطبقة، وبالتالي فإن الأزمة أكبر من مجرد تغيير وجوه.
بعد طول انتظار دام أسابيع أعلن مجلس الوزراء المصري، أمس الأربعاء، عن التشكيل الوزاري الجديد الذي شهد تغيير وزراء الدفاع، والخارجية، ومعظم وزراء المجموعة الاقتصادية مثل المالية، والبترول، والكهرباء، وقطاع الأعمال، والتموين، والزراعة، والسياحة، والإسكان، والعمل، مع استمرار وزيري التعاون الدولي والاتصالات، وإلغاء وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
الملاحظة السريعة على هذا التعديل هي إسناد وزارة خدمية غاية في الأهمية للاقتصاد المصري هي الصناعة لشخصية عسكرية هي الفريق كامل الوزير، مع دمجها في وزارة النقل، ولا أعرف ما الذي يجمع بين النقل والصناعة، علماً بأن أهمية الصناعة تكمن في أنها المحرك الأول للصادرات الخارجية، والملبي الأول لاحتياجات الأسواق المحلية من السلع، وواحدة من أهم القطاعات المستوعبة للأيدي العاملة والخبرات البشرية في مصر، وبالتالي تهتم كل الدول بهذه الوزارة، مع إسنادها لشخصية مدنية، تكون على علاقة جيدة بمجتمع الصناعة والأعمال والمستثمرين الأجانب، ولديها تصور بالصناعات الحديثة، وكيفية توطين الصناعات الأجنبية.
الملاحظة الثانية هي إسناد وزارة خدمية وشعبية مهمة هي التموين والتجارة الداخلية، المسؤولة عن تغذية ومراقبة الأسواق، وكبح الاحتكارات، وتلبية احتياجات الشعب المصري من السلع الاستراتيجية كالقمح والأغذية وغيرها، إلى الخبير المصرفي شريف فاروق، الذي رأس هيئة البريد المصري.
هل تلك الوزارة قادرة على وضع حد للأزمات المالية والمعيشية التي تمر بها مصر واقتصادها ومواطنيها، والتي أثرت سلباً في كل مناحي الحياة وموازنة الدولة ومستوى المعيشة؟
ومعروف أن تلك الوزارة الحيوية بحاجة شديدة إلى شخصية لها علاقة مباشرة برجل الشارع، للتعرف إلى احتياجاته من السلع الاستراتيجية والحياتية، وقادرة على كبح الفوضى الحالية في الأسواق وضبطها، اللهم إلا إذا أراد صانع القرار من إسناد تلك الوزارة إلى فاروق هو إحداث تغيير شامل في منظومة الدعم من الناحية المالية، وتحويله من عيني إلى نقدي وفق مطالب صندوق النقد الدولي، وضبط الوزارة مالياً، والحد من الفساد خاصة المرتبط بتوزيع الدقيق وتراخيص الأفران، وترشيد الأموال الموجهة لقطاع الدعم عموماً.
الملاحظة الثالثة هي خلو التشكيل الوزاري الجديد من وزارات مهمة، مثل التجارة والاقتصاد والاستثمار، وهي وزارات بالغة الأهمية، نظراً للظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها مصر، وتترجمها أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر المتواضعة، والدين الخارجي القياسي، وعدم وجود طفرة في أرقام الصادرات، واستمرار العجز المزمن في الميزان التجاري والحساب الجاري، وتناقض السياسات الاقتصادية المطبقة مع السياسات المالية والنقدية، وأحياناً عمل وزارات المجموعة الاقتصادية بشكل منعزل دون وجود تنسيق، خاصة بين وزارة المالية والبنك المركزي.
الديون والغلاء والوقود أبرز أزمات مصر
وبعيدا عن تلك الملاحظات وغيرها، فإن السؤال هنا هو: هل الوزارة الجديدة قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه مصر، ومنها الغلاء الفاحش، والتضخم المتوحش، وفوضى الاقتراض، وضخامة فاتورة الدين العام التي تأكل من موازنة الدولة 1.6 تريليون جنيه، هي قيمة مخصصات الديون للعام المالي الجاري 2024-2025، وأزمات الوقود والنقد الأجنبي؟
وهل هي قادرة على وقف قطار دعس المواطن وتحميله فاتورة الاقتراض عبر اجراء الحكومة زيادات قياسية ومتواصلة في الأسعار والسلع والخدمات من رغيف خبز وبنزين وسولار ومياه وكهرباء وغاز ومواصلات وغيره؟
وهل هذه الحكومة ستكون أكثر رفقاً بالمواطن الفقير ومحدود الدخل والعاطل عن العمل والأرامل والمطلقات واليتيمات بحيث تتوقف عن تمويل عجز الموازنة وفاتورة الدين من جيب ذلك المواطن المخروم جيبه والمغلوب على أمره، ويعاني من تهاوي مستمر في القدرة الشرائية والعملة المحلية، وتدني الدخل، وضعف الخدمات المقدمة من صحة وتعليم وغيره؟ أو من جيب موظفي الحكومة عن طريق ملاحقتهم بالضرائب العالية والرسوم الحكومية؟
وهل لديها فسحة من الصلاحيات لاتخاذ قرارات شجاعة لمعالجة كل تلك الأزمات المعيشية دون الرجوع للمستويات الأعلى، أو التحول إلى مجرد سكرتير يتلقى التعليمات من مجلس الوزراء والمستويات الأعلى، وربما من بعثة صندوق النقد الدولي بالقاهرة؟ وفي مقدمة تلك الأزمات انقطاع الكهرباء والغاز الطبيعي وغلاء الأسعار الغذائية.
وهل تلك الوزارة التي خرجت للنور بعد تعثر دام أكثر من شهر قادرة على وضع حد للأزمات المالية والمعيشية التي تمر بها مصر واقتصادها ومواطنيها واسواقها، وأثرت سلباً في كل مناحي الحياة وموازنة الدولة ومستوى المعيشة والقطاع الإنتاجي والمالي؟
وهل تلك الحكومة قادرة على معالجة ملف الاقتراض الخارجي وترشيده بل ولجمه بقوة، علماً بأن الوزارات السابقة بما فيها وزارة مصطفى مدبولي الأخيرة، أدمنت القروض الخارجية والداخلية والأموال الساخنة والمال السهل رغم كلفته العالية على إيرادات الدولة، وأهملت ملفات غاية في الأهمية، مثل تطوير قطاعات الصناعة والإنتاج والزراعة، وزيادة الصادرات، وجذب الاستثمارات الخارجية المباشرة، خاصة تلك التي توفر فرص عمل وقيمة مضافة للاقتصاد، وتسد احتياجات الأسواق وتخفف الضغط على موارد النقد الأجنبي؟
أسئلة كثيرة في انتظار ما ستكشف عنه وزارة مصطفى مدبولي الجديدة من خطط وبرامج في قادم الأيام، إن كان لديها برامج وخطط من الأصل.