أزمات المال والسياسة تدخل الاقتصاد الباكستاني في منعطف الانهيار

29 اغسطس 2023
معدل الفقر يتزايد بسرعة في باكستان (Getty)
+ الخط -

تبدو أزمة الاقتصاد الباكستاني أعقد كثيراً من حقن الإنعاش الطارئة التي تلقتها البلاد من اتفاقية الائتمان التي أبرمتها مع صندوق النقد الدولي والبالغة 3 مليارات دولار، والمساعدات المالية والاستثمارات التي تلقتها من الصين والسعودية والإمارات والصين.

ويرى اقتصاديون أن هذه الترتيبات المالية مع الصندوق والمساعدات، يمكن أن تلعب دوراً في تخفيف الأزمة المالية الحادة التي تعيشها البلاد حالياً، ولكنها لن تحل أزمة باكستان ذات الأبعاد الخطرة التي يمكن أن تقودها إلى الإفلاس خلال العام الجاري.

في هذا الشأن تقول البروفيسورة، سيما نواز، في تحليل بمنتدى "إيست آسيا"، نشرته يوم الأحد، إن باكستان تواجه تحديات اقتصادية وسياسية أكثر تعقيداً من هذه المساعدات وتتطلب إصلاحاً هيكلياً.

من جانبها تقول الخبيرة الاقتصادية الباكستانية بمعهد بروكغنز للدراسات، مديحة أفضال، إنه من المرجح أن تستهلك السياسة الكثير من وقت باكستان واهتمامها في العام الجاري، كما فعلت في العام الماضي 2022.
وتشير أفضال، إلى أن أزمة باكستان الاقتصادية تتكرر كل بضعة أعوام، نتيجة لأن لاقتصاد لا ينتج ما يكفي وينفق أكثر من اللازم، وبالتالي يعتمد على الديون الخارجية. وتقول في تحليلها، إن كل أزمة جديدة تكون أسوأ من سابقتها مع تزايد فاتورة الديون واستحقاق الدفعات.

تعاني باكستان من أزمة في ميزان المدفوعات، فيما تحاول تسديد خدمة دينها الهائل وسط مناخ سياسي مشحون إثر الإطاحة برئيس الوزراء السابق

وتعاني باكستان من أزمة في ميزان المدفوعات، فيما تحاول تسديد خدمة دينها الهائل وسط مناخ سياسي مشحون إثر الإطاحة برئيس الوزراء السابق عمران خان.

وفي هذا العام الجاري، أدى عدم الاستقرار السياسي الداخلي وكارثة الفيضانات إلى تفاقم الوضع الاقتصادي بالبلاد، كما فاقم ارتفاع أسعار الغذاء والوقود العالمية من معدل التضخم وعرقل النشاط الاقتصادي بباكستان.

ومن بين التحديات التي تواجهها باكستان خلال العام الجاري، الانكماش الاقتصادي الكبير وارتفاع معدل التضخم إلى 29.6% ونسبة البطالة إلى 8%، كما ألحق سعر الفائدة البالغ 22% أضراراً بالغة ببيئة الأعمال بالبلاد، دون أن يحقق البنك المركزي الباكستاني هدف السيطرة على التضخم، كما تقول البروفيسورة سيما نواز في البيانات التي نشرتها يوم الأحد.

وفي ذات الصدد، يتواصل تدهور احتياطي النقد الأجنبي، إذ تراجعت احتياطيات البنك المركزي إلى 7.93 مليارات دولار في 18 أغسطس/آب من 8.17 مليارات دولار في نهاية يوليو/تموز.

وهذا المبلغ لا يكفي لتغطية فاتورة استيراد البضاعة لشهرين. بينما البلاد بحاجة إلى أكثر من 25 مليار دولار لإدارة متطلبات الديون خلال العام الجاري. وقدرت الإيرادات الضريبية في السنة المالية الجارية بنحو 32 مليار دولار فقط.
ومنتصف يوليو الماضي أقر مجلس صندوق النقد الدولي تقديم حزمة إنقاذ بمبلغ 3 مليارات دولار لباكستان التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة. وستتسلم باكستان دفعة أولية منها بمبلغ 1.2 مليار دولار، على أن يدفع المبلغ المتبقي خلال الأشهر التسعة المقبلة.

وكانت باكستان على شفا أن تتخلف عن سداد ديونها، ولم يبق في خزينتها من العملة الصعبة سوى ما يكفي بالكاد لتغطية شهر واحد من مستورداتها. وتلقت باكستان دعما ماليا بقيمة ملياري دولار من حليفها الدائم، السعودية، لتعزيز احتياطيها من العملات الأجنبية.

البلاد بحاجة إلى أكثر من 25 مليار دولار لإدارة متطلبات الديون خلال العام الجاري

وعلى مستوى الأزمات المعيشية ومنها غلاء الوقود ترى صحيفة "داون" التي تصدر في إسلام أباد باللغة الإنكليزية، في تحليل أمس الاثنين، أن الارتفاع الأخير في أسعار البنزين بات مصدر قلق كبير للمواطنين في أنحاء البلاد، مما أدى إلى تغيير ديناميكيات النقل والتأثير على الحياة اليومية.

وتقول الصحيفة، أصبح اتخاذ قرار الاستثمار في سيارة تعمل بالوقود قرارًا صعبًا. إذ تكشف بيانات يونيو/حزيران الماضي الصادرة عن جمعية مصنعي السيارات الباكستانية (PAMA)، عن انخفاض بنسبة 37.7% في إجمالي المركبات المباعة في السنة المالية 2023 إلى 13.48 ألف وحدة، مقارنة بـ 21.63 ألف وحدة في السنة المالية 2022.

موقف
التحديثات الحية

على صعيد أسواق الصرف المضطربة، يقول محللون، إن العملة الباكستانية تراجعت في 24 أغسطس الجاري إلى أقل من 300 روبية مقابل الدولار في تعاملات الصرف بين البنوك. وفي ذات اليوم تم تداول الروبية في نطاق راوح بين 315-317 للدولار في السوق المفتوحة.

وفقدت الروبية نحو 32.5% من قيمتها مقابل الدولار في أقل من ثمانية أشهر هذا العام. وفي أقل من شهرين من هذه السنة المالية (بين الأول من يوليو والرابع والعشرين من أغسطس)، فقدت الروبية نحو 5% من قيمتها مقابل الدولار.

وخلص اقتصاديون إلى أن هناك اتجاهاً في باكستان حالياً نحو "دولرة" الأصول، وسط المضاربة المحمومة على شراء الدولار على أساس المضاربة البحتة من السوق المفتوحة.

خلص اقتصاديون إلى أن هناك اتجاهاً في باكستان حالياً نحو "دولرة" الأصول، وسط المضاربة المحمومة على شراء الدولار

وتقول صحيفة "داون"، إن الانخفاض السريع في قيمة الروبية، أدى إلى تآكل ثقة الأعمال، وبدأ تجار الجملة مراجعة الأسعار على أساس يومي وكل ساعة، مما يجعل من الصعب على تجار التجزئة والمستخدمين النهائيين استيعاب صدمات الأسعار السريعة. ومن المتوقع أن يزيد ذلك من انكماش الطلب من ناحية ودفع التضخم إلى الارتفاع من ناحية أخرى.

وتشكل الزيادات المتواصلة لأسعار الكهرباء والغاز والبنزين والديزل عاملاً قوياً في تغذية التضخم، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الصناعي. ولا يستبعد محللون أن تقع البلاد في بركة الركود التضخمي خلال هذه السنة المالية، على غرار ما حدث العام الماضي، خاصة، وقد ارتفعت أسعار الكهرباء والبنزين والديزل مرتين، والزيادة الثالثة قاب قوسين أو أدنى. كما ارتفعت أسعار الغاز بأكثر من 100%، وفقًا لمكتب الإحصاءات الباكستاني PBS.

وسيتم إصدار أرقام التضخم الاستهلاكي العام الأسبوع المقبل. مع ذلك، وفقا لـ PBS، بلغ التضخم السنوي المقاس من خلال مؤشر الأسعار 27.6% خلال الأسبوع المنتهي في 17 أغسطس الجاري.

ويعترف تقرير المكتب الباكستاني للإحصاء، بأنه خلال عام واحد، ارتفع متوسط أسعار دقيق القمح بنسبة 131.3%، يليه الشاي (95.2%)، والأرز البسمتي المكسور (88.8%)، ومسحوق الفلفل الحار (86%)، والأرز بنسبة 84% والسكر (74.7%) والدجاج (58.6%). وتستعد الحكومة المؤقتة لشن حملة ضد المضاربين في العملة وشركات صرف العملات الأجنبية غير القانونية.

ويرى خبراء، أن على الحكومة المؤقتة التأكد من عدم ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل أكبر بسبب ضعف السياسات. ويقولون إن المزيد من الارتفاع في تضخم أسعار المواد الغذائية، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة السياسية في باكستان.

وهذا من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التوقعات التضخمية، الأمر الذي سيشكل "حلقة مفرغة" بالنشاط الاقتصادي. وفي يوليو، بلغ التضخم السنوي لأسعار الغذاء 40.2% في المناطق الحضرية، و41.3% في المناطق الريفية في باكستان.

المساهمون