استمتعت بحضور لقاء فكري، يوم الثلاثاء، الموافق 13/7/2021، في مكتب صندوق الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) في العاصمة الأردنية عمّان، عنوانه "أثر كوفيد - 19 على مؤسسات الأعمال في الأردن". وقد ساهم في البحث بجانب المكتب الأممي كل من مكتب منظمة العمل الدولية في عَمّان وغرفة التجارة العربية الأميركية التي مقرّها بيروت.
ومن أبرز النتائج التي خرجت بها الدراسة ثلاث:
الأولى أن قدرة المنشآت الخاصة الصغيرة على التجاوب مع المتغيرات، والقدرة على تبنّي الخطط لتجاوزها، أضعف بنسبة ملحوظة من المنشآت والشركات الكبيرة.
الثانية أن الهياكل الجمعية للمنشآت الصغيرة والمايكروية ليست موجودة، وإنْ وجدت فهي غير فعالة. ولذلك تبقى جهود هذه المؤسسات متفرّقة مبعثرة، ولا تُمَكِّن المنشأة الفردية من مواجهة التحدّيات وحدها.
الثالثة المهمة أن الحكومة الأردنية التي وفرت مخصصات تفوق ملياري دينار (ما يعادل 2.8 مليار دولار)، لم تصل إلى أهدافها المقصودة، خصوصاً للمنشآت الصغيرة. وعليه، فإن نسبة هذه المنشآت التي تمكّنت من تقديم طلبات للاستفادة من هذه المخصّصات بقيت محدودة، وأن معظم هذه الشركات (70%) عانت من ضائقة مالية شديدة.
وهنالك بالطبع أسباب تجمع بين هذه المؤسسات غير التي ذُكِرت أعلاه. من أهمها غياب المقدرة الرقمية، ما يحرمها من التواصل الإلكتروني، وتعبئة الطلبات، خصوصاً المؤسسات المايكروية. وكذلك ضغطت المؤسسات الأكبر لحل مشكلاتها، وخصوصاً أنها موظِّفة أعداداً كبيرة من العاملين، ما يجعل احتمال إفلاسها شديد الوطأة، وذا أثر إعلامي كبير.
تفاقم البطالة في الأردن
وقد اعتمد التحليل في الدراسة على عينة من حوالي ألفي مؤسسة أردنية، أكثر من نصفها في محافظة العاصمة (عمّان الكبرى وما حولها)، والنصف الباقي موزّع على أربع محافظات أخرى، مثل الزرقاء، وإربد، والبلقاء. وقد جرى الاتصال مع أصحاب هذه المؤسسات هاتفياً. وقد عُرِّفْت المؤسسة الصغيرة أو المايكروية بأنها التي تستخدم أقل من عشرة عمال.
ومع أن الدراسة لم تأخذ بالاعتبار بعض الجوانب التي أثرت على الاستنتاجات الرئيسية، إلا أنها تبقى مهمة، وفي غاية الإفادة، وخصوصا أن البنك الدولي نشر تقريراً عن واقع الاقتصاد الأردني لم يكن سارّاً.
ومن أهم استنتاجاته أن نسبة البطالة بين الشباب قد وصلت إلى 50%، وأن نسبة البطالة على المستوى الاقتصادي قد لامست نسبة 25%. وهذا يعني أن الزيادة في نسبة البطالة قد ارتفعت بست نقاط مئوية عن العام الماضي، 2020. وقد وقعت في صفوف الشباب، خصوصا المبتدئين منهم. ولذلك، كما هو واضح، لهذا تأثير سريع على الوضع الأمني برمته.
ومن المظاهر التي لم تؤخذ بقدر كاف من العناية، أو لم تؤخذ بعين الاعتبار بتاتاً، أن الاقتصاد الأردني كان يعاني قبل وصول وباء كوفيد - 19 من تباطؤ اقتصادي واضح، فمنذ انفجار الربيع العربي وانقطاع الأردن عن أسواقه في الدول المجاورة، لم يسجل الأردن ولم يطرح أي أسهم جديدة (IPO) في بورصة عمّان، وهذا أمرٌ لم يسبق للأردن أن عانى منه.
وليس هذا فحسب، بل إن شركات كبرى أردنية، خصوصا التي أنشئت لإنتاج سلع وخدمات قابلة للتصدير، غادرت الأردن إلى أسواق خارجية. وقد كانت تشتري من شركات صغيرة، وتتعامل معها، وتخلق لها مجالاً للربح. وبغيابها، انعدم مصدر رئيسي من مصادر التزويد التي كانت تعتمد عليها المنشآت الصغيرة.
والأمر الثاني المهم أن الاقتصاد الأردني كان يعاني، حتى عام 2019، من عسر مالي واضح، فنقص السيولة قد سبَّب كثيراً من الصراع والخسائر للشركات الصغيرة. ولمّا جاءت كورونا والإغلاقات، وتحديد الحركة، تعرّضت هذه الشركات لخسائر متفاقمة، ومشكلاتٍ تُهدّد بقاءها حتى قبل تفشي وباء كورونا.
والأمر الثالث أن عاملين كثيرين، من الشباب خصوصا، يشتغلون أشغالاً غير دائمة، كثير منها لحسابهم الخاص، في القطاع غير الرسمي. ويشكل هذا القطاع أكثر من 30% من النشاط الاقتصادي في الأردن (يشمل قطاع الزراعة والأبنية غير المنظمة والمحلات غير المسجلة، وبائعي الطرق والجوالين، والعاملين من منازلهم)، وكثير من هؤلاء فقدوا وظيفتهم، حيث أنهم كانوا يعيشون على دخلهم يوماً بيوم. ولذلك، أي اغلاق أو تقطع في مداخيلهم يسبّب لهم حرجاً، ويمنع عنهم الحصول على أبسط حاجاتهم الأساسية.
زيادة الحماية المجتمعية
لذلك قدّمت مقترحات كثيرة تهدف إلى زيادة الحماية المجتمعية لهذه المؤسّسات الصغيرة، بحيث لا تبقى عُرضه للهزّات المتواصلة وتحسّن مرونتها (resilience) أمام الطوارئ وتمكّنها من التكيف (coping) مع المستجدّات والطوارئ.
وبسبب مشاركة منظمة العمل الدولية في الدراسة، فقد استحوذت فكرة البطالة وعدم قدرة المنشآت الصغيرة على الاستفادة من المخصصات المالية للحفاظ على بقائها وعمّالها على اهتمام الدراسة. وقالت إنه لا بد من وجود ترتيبٍ يسدّ فجوة الانفصام بين الأموال المخصصة والجهات التي خصّصت لها عن طريق فتح مكاتب إلكترونية لمساعدتها في تقديم طلبات المعونة. ولا بد أيضاً من ربط كثير من المؤسسات الصغيرة، خصوصا المتشابهة، أو المتكاملة عمودياً، بعضها مع بعض (clustering)، أو عن طريق تحويلها إلى "فرانشايز"، بحيث تستفيد كلها من الحجم الكبير وفوائضه.
هدفت من تلخيص الدراسة تقديمها إلى القرّاء والمسؤولين في الوطن العربي، أملاً أن يجدوا فيها ما يفيدهم. وقد أُجريت دراسات مشابهة في مناطق أخرى من العالم أظهرت أن التكيف والتحول في الوطن العربي هو الأدنى مستوىً من بين مختلف مناطق العالم، وأن دول الخليج الأحسن تكيفاً وتفاعلاً في الوطن العربي.