تظهر مؤشرات الاقتصاد التركي خلال الشهور الماضية أن أي تراجع في أرقام العملة أو احتياطات النقد الأجنبي، أو التجارة الخارجية، مرده ظروف طارئة وليس مشاكل بنيوية في الاقتصاد المحلي.
ودفعت كلمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، بشأن المالية العامة للبلاد ومستقبل الاقتصاد المحلي، إلى ارتفاع الليرة لمتوسط 7.8 أمام الدولار، مقارنة مع 8.52 ليرات في مطلع تعاملات الأسبوع الجاري.
وقال أردوغان اليوم أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بأنقرة إنّ انتعاش الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، عقب تعيين رئيس جديد للبنك المركزي ووزير جديد للخزانة والمالية، مؤشر على أن تركيا في الطريق الصحيح.
وبينما يرى متابعون أن تراجع سعر صرف الليرة خلال الفترة الماضية أثّر سلباً على الاقتصاد المحلي، إلا أن واحدة من أبرز إيجابياته حالياً مرتبطة بزيادة تنافسية الصادرات التركية.
ودائما ما كانت تبحث اقتصادات رئيسة من الصين والولايات المتحدة عن عملة منخفضة لزيادة تنافسية صادراتها، وهو ما طالب به الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 2019، بضرورة إضعاف الدولار لتعزيز تنافسية صادرات بلاده.
وبسبب تحسن الثقة بالاقتصاد التركي، وعودة التسارع لمسار المالية العامة والعملة، أكد أردوغان اليوم تسجيل "الأصول التركية طلبا من قبل المستثمرين الدوليين بقيمة 2.3 مليار دولار خلال الأيام الأخيرة".
وكان الاقتصاد التركي خلال 2020 على موعد مع أرقام تاريخية غير مسبوقة في قطاعي الصادرات السلعية، بتقديرات 180 مليار دولار، وصناعة السياحة بإيرادات 40 مليار دولار.
إلا أن ظروف تفشي فيروس كورونا خفضت من توقعات قيمة الصادرات والعائدات السياحية، مع بقاء توقعات تحقيق الأرقام قائمة بحلول 2022.
وعلى الرغم من ارتفاع عجز الميزان التجاري التركي خلال الشهور التسعة الأولى 2020، إلى 37.8 مليار دولار، إلا أن المؤشرات المسجلة محليا قريبة من المؤشرات العالمية، جراء تراجع الطلب العالمي على الاستهلاك، بفعل جائحة كورونا.
والشهر الماضي، ذكرت منظمة التجارة العالمية في تقرير التنبؤات المعدل عن التجارة حول العالم، أنه من المتوقع أن تنخفض تجارة السلع العالمية بنسبة 9.2 بالمائة في 2020.
وتقترب أرقام منظمة التجارة العالمية من أرقام التراجع المسجلة في الصادرات التركية إلى الخارج، البالغة 10.9 بالمائة حتى نهاية سبتمبر الماضي على أساس سنوي إلى 118.4 مليار دولار، والتي يعود جزء منها لهبوط قيمة العملة، عند تحويل قيمة الصادرات للدولار.
وعلى الرغم من التداعيات السلبية العالمية لتفشي جائحة كورونا، إلا أن القوة الشرائية في السوق التركية ما زالت تحظى بزخم مقبول خلال الشهور التسعة الأولى من 2020.
ونما إجمالي واردات تركيا خلال الشهور التسعة الأولى 2020 بنسبة 1.5 بالمائة على أساس سنوي إلى 156.1 مليار دولار، فيما غطت قيمة الصادرات نحو 76 بالمائة من إجمالي قيمة الواردات خلال الفترة.
تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن تركيا كانت من أسرع البلدان حول العالم شراء للذهب خلال السنوات الثلاث الماضية، كإحدى أدوات الأصول الاحتياطية للبنك المركزي.
ووفق البيانات الرسمية، كانت احتياطات الذهب للمركزي التركي حتى الربع الأول 2017 تبلغ 116 طنا، بعدها بدأت رحلة إعادة بناء احتياطات المعدن الأصفر.
في نهاية 2017، بلغ إجمالي احتياطات تركيا من الذهب 202 طن، ارتفعت إلى 253.4 طنا بنهاية الربع الأخير 2018، في محاولة من البلاد لتنويع الأصول الاحتياطية إلى جانب النقد الأجنبي.
وواصلت أنقرة بناء احتياطي الذهب لتسجل في نهاية 2019، نحو 412.5 طنا، بينما بلغ حجم الاحتياطي حتى مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري 561 طنا، ما وضعها في المرتبة 12 عالميا كأكبر حائز على الذهب.
وقال خبراء اقتصاديون إن الأسواق استجابت بشكل إيجابي وزاد الطلب على الأصول التركية عقب إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن "حقبة جديدة في الاقتصاد"، مؤكدين زيادة التوقعات الإيجابية للفترة المقبلة.
وفي حديثه للأناضول، أشار إنانج سوزار، الشريك الإداري في "فيرتوس جلوبال للاستشارات" التركية إلى انخفاض مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) من 550 نقطة إلى 406 خلال أيام قليلة.
وأضاف: "لم تمر تركيا في السنوات الثلاث الماضية بفترة تعافٍ مشابهة. مع الخطوات التي اتخذها الرئيس (أردوغان)، يمكننا القول إننا دخلنا فترة انتعاش كبيرة في الأسواق المالية".
من جانبه أشار فرحات يوكسل تورك ، الشريك المؤسس لشركة "أكنوس" للاستشارات الاقتصادية، إلى أهمية إدارة التواصل والتوقعات.
وقال: "لم تكن هناك زيادة في الفائدة حتى الآن ، لكن الدولار انخفض من 8.50 إلى 7.87 هذا الوضع يوضح لنا أهمية التواصل".
وأضاف: "أهم ركائز الاقتصاد هو توجيه رسائل صحيحة للسوق، ولقد رأينا ذلك اليوم. سيكون التواصل أهم أداة سياسية في الفترة المقبلة. بالإضافة إلى الرئيس، يجب على وزارة الخزانة والمالية والبنك المركزي اللجوء إلى التواصل بشكل فعال للغاية".
وبخصوص تصريحات أردوغان بشأن المستثمرين الأجانب، أضاف يوكسل تورك: "هناك العديد من العبارات التي تعطي الضوء الأخضر للمستثمرين الأجانب. قد تكون هناك تغييرات في اللوائح التي تخلق حالة من عدم اليقين وتقلل من القدرة على التنبؤ".
من جهته أشار مدير قسم استراتيجية الاستثمار في شركة "دنيز"، أوركون غودك، إلى أنّه عقب التطورات الأخيرة لاقت التصريحات الأولى من البنك المركزي ووزارة الخزانة والمالية استجابة إيجابية في السوق.
ولفت إلى أنّ تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان بشأن السياسة الاقتصادية الجديدة والرسالة التي بعثها تدعم مرحلة إيجابية في الاقتصاد.
وقال: "تستمر مبادلة مخاطر الائتمان في الانخفاض، وهناك توقعات إيجابية للغاية في السوق".
وأضاف: "تراجع مبادلة مخاطر الائتمان مهم أكثر من مستويات سعر الصرف وسوق الأسهم. وسيجلب التراجع معه التوجه إلى الأصول التركية ويقلل من تكاليف الاقتراض ويزيد من مصداقية البلاد".