خمسة أرقام خرجت من القاهرة اليوم الإثنين تؤكد كلها أن الأزمة الاقتصادية والمعيشية للمواطن تتعقد، وأنه في الوقت الذي تدلل فيه الحكومة المصرية رجال الأعمال وكبار المستثمرين بمنحهم مزيداً من الامتيازات وعدم تحميلهم أعباء جديدة، فإنها في المقابل تمارس مزيداً من الضغوط على المواطن البسيط عبر رفع أسعار السلع الأساسية، وفي مقدمتها الكهرباء والمشتقات البترولية، ولا تكتفي بهذا القدر من الاستفزاز، بل راحت تروج أن رجل الشارع وغالبية فقراء مصر وشبابها راضون عن هذا الوضع الكارثي.
ولم تكتف الحكومة بذلك، فبدلاً من أن تعالج عجز الموازنة العامة ومشاكلها الاقتصادية عن طرق ترشيد الإنفاق العام ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي لرجال الأعمال وزيادة موارد
الدولة عن طريق تحسين بيئة الاستثمار، راحت تحمل المشاكل وعجز الموازنة لملايين الفقراء غير القادرين أصلاً على مواجهة أعباء الحياة اليومية.
الأرقام الخمسة التي أتحدث عنها ولها دلالات خطيرة هي:
• الرقم الأول هو زيادة مرتقبة في سعر كل المشتقات البترولية من المقرر أن تقر في شهر يوليو/تموز المقبل، والزيادة ستكون بمعدل يتراوح بين 60 قرشاً وجنيه واحد على ليتر من البنزين والسولار، كما سيتم رفع أسعار أسطوانات البوتاغاز المستخدمة في الطهي المنزلي إلى 60 جنيهاً للأسطوانة الواحدة خارج الدعم، في حين يبلغ سعرها حالياً 8 جنيهات فقط.
اقرأ أيضاً: حكومة مصر تخضع لضغوط رجال الأعمال وتؤجل ضريبة البورصة
والغريب أن قرار الزيادة المرتقب مع بداية العام المالي الجديد يأتي في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق موجة غلاء في الأسعار غير مسبوقة، إذ أصاب الغلاء الخضر والفاكهة بنسبة 100% دفعة واحدة، والأسماك بنسبة 30%، واللحوم بنسبة 15% بحسب تحقيق نشر مؤخراً في جريدة الأهرام الرسمية.
• الرقم الثاني ما ذكره تقرير حكومي من أن صادرات البلاد غير البترولية واصلت تراجعها للشهر الرابع، لتبلغ نحو 1.498 مليار دولار في شهر أبريل/نيسان الماضي؛ أي ما يعادل 11.29 مليار جنيه، وهو ما يمثل 24.83% من مستهدف الخطة السنوية للصادرات، وأن إجمالي الصادرات سواء البترولية أو غير البترولية بلغ 6.4 مليارات جنيه، أي أقل من مليار دولار، في شهر أبريل/ نيسان 2015، بانخفاض 20.9% عن نفس الفترة من العام الماضي.
• الرقم الثالث هو إعلان سيتي بنك الأميركي السير في إجراءات بيع فروعه في مصر، ليس هذا بالجديد، فهذا الخبر معلن ومعروف منذ أشهر، لكن الجديد هو أن عدد المصارف المتنافسة على شراء أنشطة خدمات الأفراد للمجموعة المصرفية الأميركية تراجع من عشرة مصارف إلى ثلاثة مصارف فقط، مع دخول عملية البيع مراحلها الأخيرة، وهذا التراجع قد يعني، من وجهة نظر بعضهم، أن جاذبية الاستثمار في القطاع المصرفي المصري تراجعت، وقد يعني أن جاذبية الاستثمار في مصر كلها تراجعت بفعل المشهدين السياسي والأمني.
• الرقم الرابع هو ما كشف عنه استطلاع للرأي أجراه مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، بأن 67% من المواطنين يشعرون أن الأوضاع تسير نحو الاتجاه الصحيح في البلاد، ورغم ذلك يعود التقرير ليقول إن أكثر من 53% من المواطنين يشكون ارتفاع الأسعار، وإن 91% يشترون أنابيب البوتاغاز بسعر أعلى من السعر المدعم من قبل الحكومة.
• في مواجهة الأرقام الأربعة السابقة يقفز إلى السطح الرقم الخامس، والمتعلق بخضوع الحكومة لضغوط رجال الأعمال وكبار المستثمرين وأصحاب صناديق الاستثمار وشركات التمويل، فقد أعلنت الحكومة اليوم تأجيل تطبيق قرارها المتعلق بفرض ضريبة على التوزيعات النقدية للشركات المدرجة في البورصة بواقع 10%، بجانب ضريبة أخرى بنسبة 10% على الأرباح الرأسمالية المحققة من الاستثمار في البورصة؛ وهو القرار الذي أقرته حكومة محلب في شهر يوليو/تموز2014 وفشلت في تطبيقه على مدى عشرة أشهر.
في ظل هذه الأرقام يجب أن نسأل عن الأسباب التي أوصلت مؤشرات الاقتصاد المصري إلى هذا المستوى، وكلنا نعرف هذه الأسباب، وبالتالي لا داعي للتطرق إليها.
اقرأ أيضاً: الاستثمار في بلد الإعدامات الجماعية