"وثائق باندورا" تفضح أسراراً مالية لرؤساء دول وحكومات ورجال أعمال وفنانين

03 أكتوبر 2021
اشتغل على الوثائق أكثر من 600 صحافي في 117 دولة (Getty)
+ الخط -

كشفت "وثائق باندورا" التي أنتجها تحقيق استقصائي عالمي واسع النطاق قاده "الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية" ICIJ أسراراً مالية لـ 35 من قادة العالم الحاليين والسابقين، وأكثر من 330 سياسياً ومسؤولاً عاماً في 91 دولة وإقليماً، ومجموعة عالمية من الفنانين والفارّين والمتهمين بالقتل.

وتكشف الوثائق السرية تعاملات خارجية لملك الأردن ورؤساء أوكرانيا وكينيا والإكوادور ورئيس وزراء جمهورية التشيك ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

كذلك تعرض الملفات تفاصيل الأنشطة المالية لمن سمّته "وزير الدعاية غير الرسمي" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأكثر من 130 مليارديراً من روسيا والولايات المتحدة وتركيا ودول أخرى.

وفي لبنان، حيث ظهرت أسئلة مماثلة حول الثروة والفقر، تُظهر وثائق باندورا أن شخصيات سياسية ومالية بارزة قد احتضنت أيضاً ملاذات خارجية.

ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي وسلفه حسان دياب، وكذلك حاكم "مصرف لبنان" المركزي رياض سلامة الذي يخضع للتحقيق في فرنسا بتهمة غسل الأموال. كما يظهر في الملفات السرية وزير الدولة اللبناني السابق ورئيس مجلس إدارة "بنك الموارد" مروان خير الدين.

وتكشف السجلات المسربة أن العديد من اللاعبين الأقوياء الذين يمكن أن يساعدوا في إنهاء نظام الأوفشور يعمدون بدلاً من ذلك إلى الاستفادة منه.

وهم في هذا السياق، خبّأوا الأصول في شركات سرية وصناديق ائتمانية، في الوقت الذي لا تفعل حكوماتهم شيئاً يُذكر لإبطاء التدفق العالمي للأموال غير المشروعة التي تُثري المجرمين وتفقر الدول.

ويقول الاتحاد الدولي إنه حصل في هذا الإطار على أكثر من 11.9 مليون ملف سري، وقاد فريقاً مكوّناً من أكثر من 600 صحافي من 150 منفذاً إخبارياً أمضوا عامين في غربلة الملفات، كما تعقب المصادر التي يصعب العثور عليها والبحث في سجلات المحكمة، وغيرها من الوثائق العامة من عشرات البلدان.

وكان الاتحاد قد أعلن في تغريدة أمس السبت أنه سينشر الأحد عند الساعة 16:30 بتوقيت غرينتش "أشمل تحقيق حول السرية المالية حتى الآن"، بناءً على 11.9 مليون وثيقة مسربة "تغطي جميع أنحاء العالم".

والتحقيق الذي أطلق عليه اسم "وثائق باندورا" ثمرة عمل أكثر من 600 صحافي في 117 دولة، بحسب الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية.

تفاصيل "وثائق باندورا"

وتأتي السجلات المسربة من 14 شركة خدمات أوفشور من جميع أنحاء العالم أنشأت شركات وهمية وغيرها من المنصات الخارجية للعملاء الذين يسعون غالباً إلى إبقاء أنشطتهم المالية في الخفاء.

وتسلط النتائج التي توصل إليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وشركاؤه الإعلاميون الضوء على مدى اختراق التمويل السري للغاية السياسة العالمية، وهي تقدم رؤى حول سبب عدم إحراز الحكومات والمنظمات العالمية أي تقدم يذكر في إنهاء الانتهاكات المالية الخارجية.

وقد حدد تحليل الاتحاد للوثائق السرية 956 شركة في ملاذات خارجية مرتبطة بـ336 سياسياً ومسؤولاً حكومياً رفيعي المستوى، بما في ذلك قادة دول ووزراء حكومة وسفراء وغيرهم. 

وتم إنشاء أكثر من ثلثي هذه الشركات في جزر فيرجن البريطانية، وهي ولاية قضائية معروفة منذ فترة طويلة بأنها مركز رئيسي لشركات الأوفشور.

وثمة ما لا يقل عن 11.3 تريليون دولار مستثمرة عبر "الأوفشور"، وفقاً لدراسة أجرتها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" OECD في باريس سنة 2020. ونظراً لتعقيد نظام الأوفشور وسريته، لا يمكن معرفة مقدار هذه الثروة المرتبط بالتهرب الضريبي والجرائم الأخرى ومقدار الأموال التي تأتي من مصادر مشروعة والتي تم إبلاغ السلطات المختصة عنها.

دور المصارف في "وثائق باندورا"

وتُظهر وثيقة في وثائق باندورا أن المصارف في جميع أنحاء العالم ساعدت عملاءها على إنشاء ما لا يقل عن 3926 شركة خارجية (أوفشور) بمساعدة شركة المحاماة البنمية "أليمان، كورديرو، غاليندو ولي" Alemán, Cordero, Galindo & Lee، ويقودها سفير سابق في الولايات المتحدة.

ويُظهر المستند أن الشركة المعروفة أيضاً باسم "ألكوغال" Alcogal ساعدت ما لا يقل عن 312 شركة في جزر فيرجن البريطانية تابعة لعملاء شركة الخدمات المالية الأميركية العملاقة "مورغان ستانلي" التي قال متحدث باسمها: "نحن لا ننشئ شركات خارجية... هذه العملية مستقلة عن الشركة وتخضع لتقدير العميل وتوجيهه".

ملك الأردن في "وثائق باندورا"

تظهر الوثائق أن محاسباً إنكليزياً في سويسرا عمل مع محامين في جزر فيرجن البريطانية لمساعدة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على شراء 14 منزلاً فخماً سرّاً بقيمة تزيد عن 106 ملايين دولار في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. كذلك ساعده المستشارون على تأسيس ما لا يقل عن 36 شركة وهمية بين عامي 1995 و2017.

وفي عام 2017 تحديداً، اشترى العاهل الأردني، بحسب التسريبات، عقاراً بقيمة 23 مليون دولار يطلّ على شاطئ لركوب الأمواج في كاليفورنيا من خلال شركة في جزر فيرجن البريطانية. وقد دفع مبالغ إضافية للحصول على شركة أخرى من جزر فيرجن مملوكة لمديري الثروات السويسريين، وتعمل كمدير "مرشح" لشركة جزر فيرجن التي اشترت العقار.

ولم يصدر بعد أي تعليق أردني رسمي على هذه التسريبات.

طوني بلير وزوجته في "وثائق باندورا"

وتظهر الوثائق أنه في عام 2017، أصبح رئيس وزراء بريطانيا الأسبق طوني بلير وزوجته شيري مالكين لمبنى فيكتوري بقيمة 8.8 ملايين دولار من خلال الاستحواذ على شركة في جزر فيرجن البريطانية التي كانت تملك العقار، علماً أن المبنى في لندن يستضيف الآن مكتب زوجته للمحاماة.

وتشير السجلات إلى أن شيري بلير وزوجها اشتريا شركة الأوف شور التي كانت تملك المبنى من عائلة وزير الصناعة والسياحة البحريني زايد بن راشد آل زياني.

ومن خلال شراء أسهم الشركة بدلاً من المبنى، استفاد بلير من ترتيب قانوني أنقذه من الاضطرار إلى دفع أكثر من 400 ألف دولار كضرائب على الممتلكات.

باكستان في "وثائق باندورا"

يشير الاتحاد الدولي إلى أن رئيس الوزراء الباكستاني ونجم الكريكيت السابق عمران خان كان مبتهجاً عندما صدر تحقيقه حول "أوراق بنما" في إبريل/ نيسان 2016، علماً أنها كشفت أن أبناء رئيس الوزراء الباكستاني في ذلك الوقت، نواز شريف، كانت تربطهم علاقات بشركات خارجية. وقد منح ذلك خان فرصة لتهشيم صورة خصمه السياسي شريف، من خلال ما وصفه خان بـ"تحالف الفاسدين" الذي يجتاح باكستان.

أما التحقيق الاستقصائي الجديد فيكشف النقاب عن المقتنيات الخارجية لأشخاص مقربين من خان، بما في ذلك وزير ماليته وأحد كبار داعميه الماليين.

وتُظهر الوثائق أيضاً أن وزير الموارد المائية في حكومة خان، شودري مونيس إلهي، اتصل بشركة "آسياسيتي"، وهي شركة خدمات خارجية مقرها سنغافورة، في عام 2016، بخصوص إنشاء صندوق لاستثمار الأرباح من صفقة الأراضي العائلية الممولة من المقرض لاحقاً، ليتبين أن قرض المشروع غير قانوني، ومع ذلك أبلغ البنك المعني السلطات الباكستانية أن القرض تمت الموافقة عليه بسبب نفوذ والد إلهي، وهو نائب رئيس الوزراء السابق.

وتفيد سجلات "آسياسيتي" بأن إلهي تراجع عن وضع أموال في صندوق ائتماني في سنغافورة بعدما أخبره المزود بأنه سيبلغ السلطات الضريبية الباكستانية بالتفاصيل.

الرئيس الكيني في "وثائق باندورا"

أدرجت السجلات المسربة الرئيس الكيني أوهورو كينياتا ووالدته كمستفيدين من مؤسسة سرية في بنما.

وتظهر السجلات أن أفراد الأسرة الآخرين، بما في ذلك شقيقه وشقيقتان، يمتلكون 5 شركات خارجية بأصول تزيد قيمتها عن 30 مليون دولار. ولم يرد كينياتا وعائلته على طلبات التعليق.

رئيس الوزراء التشيكي في "وثائق باندورا"

وصل رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس، أحد أغنى رجال بلاده، إلى السلطة واعداً بقمع التهرب الضريبي والفساد. وفي عام 2011، عندما أصبح أكثر انخراطاً في السياسة، أخبر بابيس الناخبين أنه يريد إنشاء بلد "حيث يقوم رواد الأعمال بأعمال تجارية ويسعدون بدفع الضرائب".

لكن السجلات المسربة تُظهر أنه في عام 2009، ضخ بابيس 22 مليون دولار في سلسلة من الشركات الوهمية لشراء عقار مترامي الأطراف، يُعرف باسم "شاتو بيغود"، في قرية على قمة تل في موجينز، فرنسا، بالقرب من مدينة كان.

ولم يكشف بابيس عن الشركات الوهمية والقصر في بيانات الأصول التي يتعين عليه تقديمها كمسؤول عام، وفقاً للوثائق. وفي عام 2018، اشترت مجموعة عقارية مملوكة بشكل غير مباشر لشركة بابيس بهدوء شركة في موناكو تمتلك القصر.

وزير اقتصاد البرازيل في "وثائق باندورا"

في يونيو/ حزيران المنصرم، اقترح وزير الاقتصاد البرازيلي باولو جيديس حزمة إصلاح ضريبي تتضمّن ضريبة بنسبة 30% على الأرباح المحققة من خلال الكيانات الخارجية، فيما يقدر الخبراء أن أغنى أثرياء البرازيل يمتلكون ما يقرب من 200 مليار دولار من الأموال غير الخاضعة للضريبة خارج البلاد.

وقال غيديس: "لا يمكنك أن تخجل من كونك ثرياً، لكن عليك أن تخجل من عدم دفع الضرائب".

وبعدما اعترض المصرفيون وكبار رجال الأعمال على زيادة الضرائب المقترحة، وافق غيديس، وهو مليونير مصرفي سابق، على إلغاء الضريبة المقترحة على الأرباح الخارجية، فيما لا تزال المفاوضات حول التشريع مستمرة.

وتكشف "وثائق باندورا" أن الرجل أنشأ مجموعة Dreadnoughts International Group في عام 2014 في جزر فيرجن البريطانية.

بحسب الوثائق، أودع رئيس الإكوادور غييرمو لاسو أموالا في صندوقين مقرهما في ولاية داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة.

وكشفت الوثائق أن عائلة رئيس أذربيجان، إلهام علييف، وشركاء له ضالعون في صفقات عقارية تبلغ قيمتها مئات الملايين في بريطانيا فيما يملك رئيس كينيا اوهورو كنياتا وستة من أفراد عائلته مجموعة من شركات الأوفشور.

ومن بين الشخصيات الواردة أسماؤها المغنية الكولومبية شاكيرا وعارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر ونجم الكريكت الهندي ساشين تندولكار.

المشاركون في تحقيق "وثائق باندورا"

أنشأ "المركز الأميركي للنزاهة العامة" في عام 1997 "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين" الذي أصبح كياناً مستقلاً في عام 2017. وتضم شبكة الاتحاد 280 صحافياً استقصائياً في أكثر من 100 دولة ومنطقة، فضلاً عن حوالى 100 وسيلة إعلام شريكة. وبرز الاتحاد مطلع إبريل/ نيسان 2016 مع نشره تحقيق "وثائق بنما" الذي استند إلى حوالى 11.5 مليون وثيقة سُرّبت من مكتب محاماة بنمي.

وقد ساهم في إنجاز هذا التحقيق كلٌّ من مايكل دبليو هدسون، سيلا أليكسي، ويل فيتزجيبون، أغوستين أرميناريز، سيدني بي فريدبيرغ، مارغوت جيبس، ماليا بوليتسر، دلفين رويتر، إميليا دياز ستروك، جيرارد رايل، بن هولمان، دين ستاركمان، فيرغوس شيل، سردار فاردار بيلين أونكر (DW تركيا)، إليسا كريستين لوبيز وكارول إيلاغان (المركز الفيليبيني للصحافة الاستقصائية) وبافلا هولكوفا (تحقيق، جمهورية التشيك).

كذلك شاركت فيه هلا نصر الدين (درج، لبنان)، آلان دي أبرو (ريفيستا بياوي، البرازيل)، ليو سيستي وباولو بيونداني (ليسبرسو، إيطاليا)، سيمون جودلي (الجارديان، المملكة المتحدة)، ريتو سارين (إنديان إكسبرس)، ناسوس ستيليانو (بي بي سي، المملكة المتحدة)، فرانسيسكو رودريغيز وإنريكي نافيدا (بلازا بوبليكا، غواتيمالا)، ديبرا سينزيبر (واشنطن بوست، الولايات المتحدة)، جيلينا كوزيك، سبنسر وودمان، بريندا ميدينا، ماغي مايكل، ريتشارد إتش بي سيا، كاثلين كاهيل، جو هيلهاوس، ميا زوكركانديل.

ومن المساهمين أيضاً إسراء مصطفى، هاميش بولاند-رودر، ميغيل فياندور غوتيريز، بيير روميرا، مادلين أوليري، توم ستيتس، كاثرين كرانهولد، مارغوت ويليامز، أنطونيو كوتشو غامبوا، سولين ليدزيرت، برونو توماس آن لوت، مادلين أوليري، ماكسيم فانزا لوتاوندا، دينيس حسن زاد أجيري، خيسوس إسكوديرو، ماركوس غارسيا ري، ماغو توريس، كاري كيهوي، شون ماكجوي، أنيشا كوهلي، فخار دوراني، كارلوس مونتيرو، دوغلاس دالبي ولورا بولارد.

المساهمون