"عرَج" المشروع التركي

10 مايو 2021
يبدو أن موسم السياحة في تركيا سيضرب للعام الثاني على التوالي (الأناضول)
+ الخط -

يمشي الاقتصاد التركي نحو هدفه لمئوية تأسيس الدولة على قائمتي السياحة والتصدير، ولديه جسد صناعي متين وأذرع زراعية طويلة، يديرها جميعها رأس اختار التحدي وتحصيل الحقوق ولو بالاصطدام، أكثر مما استمر على تفكير السلف، بالانحياز وتنفيذ الإملاءات، لستر عورتَي الفقر وزيادة المديونية.

فأي آثار على سياسة هذه الدولة التي قالت للكبار مراراً: "أنا هنا"، أو على حلمها الذي تسعى إلى بلوغه مثل نمر اقتصادي منذ العام 2002، إن قطعت إحدى قائمتي الاقتصاد، أو أصيبت، على الأقل، بعرَج؟!

يبدو أن موسم السياحة في تركيا سيضرب للعام الثاني على التوالي، ولن تتحقق النبوءات بالوصول إلى مستوى قياسي هذا العام، كما عوّل المسؤولون بأنقرة على برنامج التلقيح الشامل، كما لن تعوّض السياحة الآمنة ولا العلاجية، ولا حتى ما تفتقت به أفكار وزارة السياحة من سياحة افتراضية، للتأسيس إلى ما بعد الوباء.

فبعد تراجع إيرادات السياحة العام الماضي إلى 12.5 مليار دولار، ها هي أرقام الربع الأول للعام الجاري تشير، جراء الإغلاق واكتشاف نسخة متحورة من فيروس كورونا في الهند، إلى تراجع بنحو 41%، ولم تزد عائدات السياحة، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، عن 2.4 مليار دولار بعد تراجع عدد السياح إلى 2.6 مليون سائح، نحو 740 ألفاً منهم أتراك مقيمون في الخارج. وذلك رغم أن الآمال عقدت بعد ضربة العام الماضي على 34 مليون سائح لهذا العام، بعائدات تقترب من 23 مليار دولار.

إذاً، قائمة الاقتصاد التركي الأهم، السياحة، لا تبشر بالتعافي حتى الآن، ما ينبئ باستمرار عرج الاقتصاد التركي، وربما استمرار تراجع سعر صرف الليرة التي اقتربت من 8.4 ليرات مقابل الدولار اليوم، والتي تعتمد بجل توازنها على دولار السياح الذي كان يوائم، إلى درجة كبيرة، بين العرض والطلب.

بيد أن القائمة الثانية للاقتصاد التركي لم تزل بعافية حتى اليوم، رغم أن استمرار الإغلاق بين الدول وتراجع الإنتاج أثرا على عائدات الصادرات بمعظم دول العالم، بما فيها أبطال التصدير.

فرأينا معدل الصادرات التركية، حتى نهاية الربع الأول، قد ارتفعت بنحو 110% مقارنة مع الربع الأول من العام الماضي، وسجلت رقماً يمكن التعويل عليه، 18.8 مليار دولار، ليس بتوازن عرض الدولار بالسوق فحسب، بل وبرفد الخزينة والمصرف المركزي بالقطع الأجنبي، بعد أن تراجعت الاحتياطيات، وأكل عام كورونا، جراء تدخل الدولة بالسوق ودعم الصادرات، نحو 21 مليار دولار.

لكنه أيضاً، ورغم زيادة صادرات الربع الأول من العام الجاري، مقارنة مع مثيلها من العام الماضي، فإنها لا توازي الحلم التركي بوصول قيمة الصادرات إلى نحو 200 مليار دولار كما المخطط قبل كورونا، أو حتى الاقتراب من صادرات ما قبل الوباء، وقت زادت عام 2019 عن 180 مليار دولار.

لذا رأينا صانع القرار، الذي لا حول له بشأن كورونا وتعطيلها السياحة، يتجه إلى الصادرات وبدء سياسة جديدة، إن مع الدول الأوروبية القريبة أو الأفريقية البعيدة، أو حتى يعيد النظر بالعلاقات السياسية والدبلوماسية مع دول عربية فيها أسواق هائلة مثل مصر، أو لدى مستهلكيها قدرة شرائية كبيرة، كما المتوقع مع السعودية. رغم ما لهذا من تبدّل رآه كثيرون في السياسة التركية وأخذوه ممسكاً على مبدئيتها.

نهاية القول: تركيا لمن يتابع تطورها وهواجسها، يلحظ أن قادتها أمام همّ أعظم وعام مصيري، إعلان الجمهورية الثانية بدخول نادي العشرة الكبار عام 2023، ما يدفعها لإعادة النظر بالسياسة القديمة أو الانحناء أمام عواصف التحولات، إن بالمنطقة التي تشي بإعادة رسم وهيكلة جديدة، أو التصارع الدولي بين قطبي موسكو وواشنطن وأتباعهما، والذي-الصراع- يتعاظم تباعاً ولم تعرف أنقرة إلى الاصطفاف مع أحدهما من سبيل.

وتركيا التي أعلنت نفسها دولةً ذات اقتصاد وجيش قويين، منذ عام 2014 على الأقل، وبرهنت قوتها عبر أدوات تلك القوى وبغير مكان وأكثر من مناسبة، لديها "مشروع" يطوي سني الطاعة والفقر والرضوخ، ويفرضها بين الكبار كبيرة، فزمن الضعف وتنفيذ مصالح الآخرين ولّى إلى غير رجعة، كما أكد القادة الأتراك وأعادوا ويعيدون.

لكن مفاجآت عدة أعاقت ذلك المشروع أو ستؤخره على الأقل، ربما عاما كورونا غير المتوقعة أصعبها، ما وضع تركيا المتوترة مع الجوار وحتى البعيدين، أمام خيارات وأشكال تعاطٍ جديدة، على الأرجح أن تخوض غمارها مع بعض التحفظ، لأن ثمن استمرار المواجهة ومحاولات إحقاق الحق هو الحيلولة دون المشروع الذي تجتمع على إعاقته معارضة الداخل مع المتخوفين من تركيا القوية، إن بالجوار الأوروبي أو بالدول المتنفذة البعيدة، والتي لا يروق لها جميعها وصول تركيا، بمشية سليمة، إلى مصاف الأقوياء.

المساهمون