"الكوارث" الخمس في موازنة سورية لعام 2022

15 ديسمبر 2021
تراجع مستوى معيشة السوريين في ظل تهاوي الليرة وارتفاع الأسعار (فرانس برس)
+ الخط -

لم يحتط المخططون في سورية، لما يقال عن زيادة أسعار الغذاء والنفط عام 2022، ولم يلحظوا خلال الموازنة العامة التي أقرها برلمان بشار الأسد، أمس الثلاثاء، تراجع مستوى معيشة السوريين، بعد تدهور سعر الليرة وتسجيلها اليوم 3600 ليرة مقابل الدولار، تاركين سرباً من الأسئلة المعلقة أثارتها المليارات النظرية التي صادق عليها مجلس الشعب، حتى من دون أن يسأل عن الموارد وتسديد العجز المعلن مسبقاً والمقدر بنحو 4118 مليار ليرة.
وتأتي الكارثة الأولى، بعد الاطلاع على حجم الموازنة، تتجسد في توقعات تهاوي سعر العملة السورية التي حددتها الموازنة بـ2512 ليرة مقابل الدولار، إلى نحو 4 آلاف ليرة، ما يعني، علمياً، تآكل أكثر من 70% من حجم الموازنة. ولعل ما حدث خلال موازنة عام 2021، مثال حي لم يزل ماثلاً أمام السوريين، وقت تم إقرار الموازنة بنحو 8.5 تريليونات ليرة، ما يعادل 4 مليارات دولار، ليتآكل جزء كبير من شقي الموازنة، الجاري والاستثماري، بعد تراجع الليرة من 2200 ليرة وتستقر اليوم على 3600 مقابل الدولار الواحد.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وربما في تراجع حجم الموازنة للعام المقبل عن قيمتها للعام الحالي، تتجسد الكارثة الثانية، فرغم ارتفاع الأسعار، محلياً وعالمياً، وزيادة نسبة الفقر بسورية عن 90%، رأينا تراجعاً بكتلة الموازنة إذا ما قيست بأي عملة عالمية.
ففرق سعر الدولار الرسمي بسورية، بين 1256 ليرة وقت أعلنت موازنة العام الماضي، وبين السعر الرسمي الحالي، 2512 والذي رفعه نظام الأسد في إبريل/نيسان 2021، نرى الموازنة المالية للعام المقبل لا تزيد عن 5.3 مليارات دولار، في حين بلغت موازنة عام 2021 حين إقرارها، نحو 6.8 مليارات دولار أميركي (8500 مليار ليرة سورية).
لكن العجز المقدر بنحو 4118 مليار ليرة، هو الكارثة الثالثة، ليبقى السؤال الأهم وكيفية تغطيته اللغز الذي سيصعب على حكومة الأسد حله العام المقبل، لا سيما أنّ وزير المال بحكومة الأسد، كنان ياغي، قال إنّ العجز سيغطى عبر اقتراض 600 مليار ليرة من سندات خزينة الدولة، و500 مليون ليرة من موارد خارجية، لتمد اليد لما تبقى من العجز، إلى مصرف سورية المركزي كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي لدى المصرف.
ولأن تلك الأبواب الثلاثة التي عوّل الوزير فتحها، موصدة أمام الحكومة، يبقى حل سندات الخزينة صعباً، إذ لا يمكن لعاقل أن يجازف بشراء أوراق مالية، مهما بلغت نسبة الفائدة، بعملة مرشحة للانهيار، ليبقى التضخم أعلى من أي سعر فائدة تفكر حكومة إغراء الشراء به، هذا إن لم نأت على الأسوأ من إفلاس وانهيارات، ببلد مفتوح على أخطر الاحتمالات.
كما أنّ الموارد الخارجية، بواقع استمرار الحصار والعقوبات، وبواقع تعطّل الإنتاج وشلل التصدير، حل تسويفي يعرف الوزير نفسه، أنه غير قابل للتحقيق، ليكون بالباب الثالث، الاقتراض من المصرف المركزي، هروباً يثير السخرية، بعد أن بددت الحرب احتياطي سورية الأجنبي البالغ نحو 18 مليار دولار قبل الحرب على الثورة، إلا إن كان قصد الوزير، الاقتراض بالليرة التي سيتم طبع ورق كبير منها (فئة 5 آلاف وربما 10 آلاف ليرة) في روسيا، ليزيد المعروض النقدي في السوق، من دون أي تغطية إنتاجية وخدمية أو عملات ومعادن نفيسة، ويزيد وقتذاك تدهور سعر الليرة التي تراجعت من 50 مقابل الدولار عام 2011 إلى ما هي عليه اليوم والتوقعات ببلوغ 4 آلاف ليرة للدولار خلال الربع الأول من العام المقبل.

يبقى السؤال الأهم وهو كيفية تغطية عجز الموازنة، وهو اللغز الذي سيصعب على حكومة الأسد حله العام المقبل

وتتجلى الكارثة الرابعة برفع الأسعار، واستمرار سياسة نظام الأسد الاعتماد على جيوب الرعايا، كطريقة وحيدة، مضمونة ومباشرة، لجني المال، كما رأينا من خلال رفع الضرائب واعتماد مفاعيل رجعية، وصلت إلى حبس رجال الأعمال والصناعيين المحتجين، ورفع أسعار حوامل الطاقة بين مرتين للمازوت و4 مرات للبنزين والكهرباء، خلال العام الجاري، وست مرات منذ طالب السوريين بالعدالة بتوزيع الدخل عام 2011 ورفع أسعار السلع المدعومة، بما فيها الخبز بنسبة 100% العام الجاري.
ولعل بتراجع حجم الدعم، خاصة عن المشتقات النفطية، هناك مؤشر داعم لهذه الكارثة، فما خصصته موازنة العام المقبل من مبلغ لدعم المشتقات النفطية والبالغ 2700 مليار ليرة هو عملياً أقل مما خصصته للعام الجاري، وفق أسعار الصرف، خاصة أن النفط يستورده نظام الأسد بالدولار.
هذا إن لم نقلّب بصفحات النفط وكيف تحوّل من أهم داعم للخزينة والموازنة، إلى أكبر عبء على نظام الأسد اليوم، بعد التحول من تصدير نحو 180 ألف برميل نفط قبل عام 2011، إلى استيراد نحو 3 ملايين برميل نفط شهرياً، تزيد قيمتها عن 250 مليون دولار، ما يعني وبحسبة بسيطة، تحتاج سورية أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً؛ أي أكثر من نصف الموازنة العامة البالغة 5.3 مليارات.
وبحسب الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المقبل 2022، بلغت القيمة الأولية للدعم الاجتماعي الواردة في بنود الموازنة خمسة آلاف و529 مليار ليرة سورية، وهي أقل مما رصدته حكومة الأسد للدعم العام الجاري، إذا ما أخذنا تراجع سعر صرف الليرة بالحسبان، إذ لم يزد سعر الدولار العام الماضي عن 2800 ليرة في حين يتجاوز اليوم 3600 ليرة ومرشحة الليرة لمزيد من التدهور.

وختام الكوارث بوضع السوريين المعيشي، بعد تثبيت الأجور عند نحو 70 ألف ليرة وزيادة إنفاق الأسرة السورية عن 1.2 مليون ليرة شهرياً، فما أوصت به لجنة الموازنة والحسابات في تقريرها حول مشروع قانون الموازنة "بالعمل على رفع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة وفتح سقف الراتب المقطوع لجميع الفئات ورفع الحد الأدنى المعفى من ضريبة الدخل على الرواتب" بددها وزير المال أمس، وقت ألمح إلى عدم إمكانية زيادة الأجور، مشدداً على أنّ سياسة بلاده ستزيد الدخل بشكل غير مباشر، من خلال توجيه الدعم لمستحقيه، وهذا الشعار هو الذي يعوّل عليه نظام الأسد العام المقبل، عبر سحب الدعم عن الكهرباء والخبز والمواد التموينية والمحروقات، والابتعاد عن الشرائح غير المستحقة للدعم ككبار والصناعيين، بل ومن يمتلك سيارة.
إذاً، كوارث حقيقية تنتظر السوريين معيشياً العام المقبل، بعد أن أقرّ مجلس الشعب الموازنة وأصبحت قانوناً مصادقاً على حجمها (13 ألفًا و325 مليار ليرة سورية)، في الشقين الاستثماري والجاري، بنحو 11 ألفًا و325 مليار ليرة نفقات جارية، وألفي مليار نفقات استثمارية، واعتراف مسبق بقيمة عجز في الموازنة، تبلغ أربعة آلاف و118 مليار ليرة سورية.

المساهمون