"الشراكة" في الجزائر: إحياء حكومي لخطط خصخصة المرافق العامة

25 سبتمبر 2021
النقل الجوي من ضمن استهدافات الشراكة (بلال بن سالم/ Getty)
+ الخط -

تسعى الحكومة الجزائرية إلى طرح خطة "الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص"، فيما يؤكد الخبراء على أن عبارة "الشراكة" ليست سوى غطاء لخصخصة مؤسسات عمومية في مختلف القطاعات. وهذه المحاولة الحكومية هي الثانية بعد تجربة حصلت في العام 2018 وأجهضتها المعارضة بمعية النقابات العمالية.

هذه المرة، فضلت حكومة أيمن بن عبد الرحمن وضع إطار قانوني منظم للعملية لتفادي أخطاء التجارب الماضية، فيما يتخوف الخبراء من وقوع الشركات الحيوية بين أيدي "رجال الأعمال"، وتبقى المؤسسات المفلسة من دون منقذٍ.

ويقول مدير التشريع والتخطيط في وزارة الصناعة الجزائرية بلال زيان، لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة بصدد وضع النقاط الأخيرة على القانون المنظم للشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك بعد استشارة العديد من الوزارات المعنية بالعملية، على أن يرفع مشروع القانون للحكومة قريباً". ويضيف "يهدف القانون إلى تأطير عملية فتح رؤوس أموال الشركات العمومية أمام القطاع الخاص الجزائري، ويتطرق إلى تكوين تحالفات ودمج الشركات وفق كل حالة، والمهم أن القانون سيسمح بإنشاء لجنة متعددة الأقطاب تتولى جرد الشركات العمومية التي يمكن فتح رأسمالها، وتحديد القطاعات الاستراتيجية التي تبقى حكرا على الدولة الجزائرية".

ويشدد زيان على أن "هذه العملية ستراعي مصلحة العمال، ومبدئيا، الباب مفتوح للاستثمار في قطاعات كانت ممنوعة بشكل غير رسمي عقوداً من الزمن، على غرار النقل الجوي والبحري". ووضعت حكومة رئيس الوزارء أيمن بن عبد الرحمن (ثاني رئيس حكومة في عهد عبد المجيد تبون) في مخطط عملها، الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه أخيراً، التوجه نحو بعث الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لإنعاش الاقتصاد ورفع نسب النمو وكبح البطالة.

وظل ملف "الخصخصة" من الملفات الحساسة في الجزائر بالنظر إلى التجارب السابقة، خاصة بين عامي 1990 و2000، حين تنازلت الحكومة تحت ضغط صندوق النقد الدولي عن المئات من الشركات العمومية بالدينار الرمزي لفائدة رجال أعمال مقربين من النظام السابق، أغلبهم تدعمهم المؤسسة العسكرية، من دون أن يقدموا أي جديد لها، وظلت مجرد أوعية عقارية فارغة من دون إنتاجية.

وفي سنة 2018، غامر رئيس الحكومة آنذاك أحمد أويحيى، القابع في السجن في قضايا فساد، بإطلاق مشروع خصخصة للشركات العمومية تحت عنوان "شراكة بين القطاعين العام والخاص"، وفق متابعين، ووقعته الحكومة مع منتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تكتل لرجال الأعمال)، الذي كان يترأسه زعيم الكارتل المالي في نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة علي حداد (مسجون في قضايا فساد)، لكن سرعان ما ألغى بوتفليقة الاتفاق تحت ضغط المعارضة (اليسار والتيار الإسلامي) والنقابات المستقلة.

ويرى المستشار الحكومي عبد الرحمن مبتول أن "الحكومة هذه المرة فضلت المكاشفة و(تقنين) العملية، فمن الجانب النظري هذا أّمر ايجابي ويدخل في إطار الشفافية وضمان مبدأ تكافؤ الفرص، إلا أن المشكل ليس في الجانب النظري، بل التطبيقي".

ويضيف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "المؤسسات العمومية كلفت الخزينة أكثر من 80 مليار دولار خسائر وديونا، حان الوقت للنظر إلى ملف الخصخصة بمنظور اقتصادي وليس سياسي، هناك مؤسسات وشركات توفيت اقتصاديا ولا تزال الحكومة تتحمل عجزها السنوي، كالخطوط الجوية الجزائرية ومثلها المئات من الشركات والمجمعات الصناعية والسياحية، هذه المرافق يجب تركها للقطاع الخاص لتسييرها، وعلى الحكومة أن تكون سلطة ضبط لمناخ الأعمال والاستثمار وألا تكون طرفاً".

لكن من جهة أخرى، يتخوف معارضو الخصخصة من تكرار سيناريو "التسعينيات"، بعدما أفضت عملية تنازل الدولة عن مؤسساتها بـ"الدينار الرمزي" إلى تغول رجال الأعمال، واستفادتهم من قروض بنكية ضخمة لإنعاش الشركات، إلا أن الأموال حولت مع الوقت إلى مشاريع أخرى أو إلى الخارج، وبقيت الشركات تكافح حتى إفلاسها وإغلاق أبوابها من دون محاسبة المرتكبين والمقصرين.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وفي السياق، يقول القيادي في حزب العمال (التيار اليساري) رمضان تعزيبت إن "مشاريع الخصخصة في الجزائر كانت دائما تحت رعاية "الأوليغارشيا" التي استهدفت شركات وقطاعات كانت ملك للدولة، وذلك تحت غطاء "الشراكة" تارة وتحت غطاء "إنقاذ مناصب الشغل" تارة أخرى، وللأسف، لم تخلف العملية إلا شيئا واحدا، وهو بسط "الكارتل المالي" يده على النسيج الصناعي والعقاري من دون تحقيق إضافة إلى نسبة النمو أو خلق مناصب شغل".

ويتابع تعزيبت لـ "العربي الجديد" أن "المعارضة أجهضت مشروع خصخصة شركات المحروقات سنة 2006، بعد ضغطها لسحب قانون المحروقات الذي تقدم وزير الطاقة انذاك شكيب خليل، الفار من العدالة، وفي سنة 2018، تم، برفقة النقابات، إجهاض مخطط "أويحيى وحداد" للقضاء على كل ما هو عمومي لفائدة "العصابة" التي دخلت السجن فيما بعد في قضايا فساد".

ويشرح "نحن لا نريد خصخصة عشوائية تزيد من حجم الفساد ونهب المال العام، بل نريد خطط إنقاذ للشركات العمومية التي كانت مفخرة الجزائر".

ويتمثلُ التحدي الأكبر، المطروح حالياً على طاولة الحُكومة الجزائرية، في إعادة تنشيط الشركات العمومية التي تراكمت ديونها في السنوات الأخيرة بسبب جمود نشاطها. إذ تكشف أرقام وإحصاءات حديثة، نشرها الاتحاد الوطني الجزائري للمُقاولين (تكتل يضم مجموعة من الشركات المحلية)، أن نشاط الشركات الاقتصادية الحُكومية تراجع بنسبة تتراوح ما بين 18 و25 في المئة خلال سنة 2020، بسبب تداعيات جائحة كورونا التي طرقت أبواب البلاد للمرة الأولى في شباط/فبراير 2020.

ويرى رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل نايت عبد العزيز أن "توجه الحكومة نحو رفع يد الدولة عن قطاعات اقتصادية هو أمر إيجابي، طيلة عقود ونحن رجال الأعمال نلح على ضرورة أن تضع الدولة ثقتها فينا، نحن مستعدون لمساعدة الدولة ونملك التمويل الضروري، ولا حرج إن توجهنا للبنوك العمومية للاقتراض".

ويتابع رئيس ثاني تكتل لرجال الأعمال في الجزائر قائلا، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المهم في الخطة الحكومية أنها سيادية ولم تأت تحت ضغط صندوق النقد الدولي، أكيد أن الصندوق ظل ينصح الحكومة بضرورة إزالة ثقل إعانة الشركات العمومية المتعثرة".

ويعتبر أن "الشريك الجزائري يراعي مصلحة البلاد والمواطن على السواء، خاصة في ظل تدهور القدرة الشرائية، فلا يمكن أن يتحجج بتراجع الدينار، كما يفعل الشريك الأجنبي في كل مرة، لتبرير رفع أسعار المنتجات والخدمات وذلك لرفع حجم ما يتم تحويله للبلد الأم من أموال".
يشرح مدير التشريع والتخطيط في وزارة الصناعة الجزائرية بلال زيان، لـ"العربي الجديد"، أن اقتراح قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص يُعرّف القطاع العمومي بأنه كل وزارة أو مؤسسة مملوكة بالكامل للدولة، أما القطاع الخاص فهو يعني كل شخص معنوي جزائري أو تحالف بين مجموعة من الأشخاص، فيما يُقصد بالشراكة، حسب القانون المنتظر عرضه مطلع الشهر القادم على الحكومة، كل اتفاق بين الجهة العمومية أو الحكومية والقطاع الخاص لتنفيذ الأعمال أو تقديم الخدمات أو التمويل في مجالات البنية التحتية أو الأصول".

ويضيف أن مشروع القانون ينص على "ألا يوقع أي عقد (شراكة) إلا بعد مصادقة مجلس مساهمة الدولة (مجلس حكومي يضم 14 وزيراً)، على أن تكون المحاكم الجزائرية محلا للفصل في الخلافات بين الجهتين حصراً".

وتركت الحكومة الجزائرية نسب استحواذ القطاع الخاص من الحصص في رأسمال الشركات العمومية للتفاوض وحسب طبيعة كل شركة معنية والعرض الذي يقدمه الشريك الخاص، في خطوة نحو فتح الاستثمارات وإبداء حسن النية اتجاه القطاع الخاص الذي ظل يشتكي لسنوات من تحيز الحكومة للشركات العمومية في الصفقات والخصومات بين الطرفين.

المساهمون