عصمان صمبان.. أيها الشعب الجميل

03 سبتمبر 2014
+ الخط -

مرة أخرى يكون عصمان صمبان (1923-2007) محط احتفاء في أهم التظاهرات السينمائية في تونس. فقد حضر الكاتب والسينمائي السنغالي في الدورة العاشرة من "ملتقى هرقلة السينمائي" الذي اختُتم الأحد الماضي (31 آب/ أغسطس الماضي)، من خلال عرض الفيلم الجديد للمخرج المالي سليمان سيسيه، "يا صمبان"، وهو بمثابة نداء من صديق إلى صديقه، انطلق سيسيه فيه من حادثة وفاة صمبان التي مرّت بهدوء لا يليق بمكانة الرجل في تاريخ الثقافة الأفريقية.

حاول المخرج أن يكون السرد وطريقة تركيب المشاهد صادمة كما هي قصة الفقد في حد ذاتها. وقال سيسيه قبل العرض إنه عاد إلى أرشيفه الخاص لتأليف مفاصل هذا الشريط الوثائقي. ولئن كانت وفاة صمبان تعود إلى سنة 2007، فإن المخرج يجعل من هذا الحدث جواباً مقنعاً على الراهن الثقافي في أفريقيا الذي يتسم في مجمله بالركود ونسيان المثقف وتهميشه.

الملفت في الفيلم أيضاً أن مخرجه صوّر موكب جنازة صمبان بكاميرا للهواة لا تتوفّر على تقنيات عالية الجودة في الصوت والصورة، ما أدى إلى ردة فعل عنيفة لدى النقاد السينمائيين الذين تابعوا هذه الدورة من "ملتقى هرقلة".

وفي الواقع، أنجز سيسيه عمله مستخدماً كاميرات مختلفة، وحرص على المزج بين صور التقطت بشكل عفوي وأخرى أنجزها فريق تصوير احترافي. ومن شأن هذا التلاعب الذكي والمقصود أن يخدم الموضوع، لأن المشاهد الملتقطة بشكل سيئ هي أصدق دلالة على حجم العبث والجحود لدى الساسة والمشرفين على تسيير المجال الثقافي في القارة الأفريقية.

حياة الكاتب صمبان حافلة بالعطاء والإبداع، فمنذ عام 1956 كتب باكورته الروائية "حمّال الميناء الأسوَد". وفي العام 1957، أصدر عمله الثاني بعنوان "بلدي، أيها الشعب الجميل"، ثم عمله الثالث حول إضراب عمّال سكك الحديد في داكار وباماكو عام 1947. وقبل الكتابة، مارس عدة مِهَن، فعمل بائعاً للسمك وحمّالاً في ميناء مرسيليا، وانخرط في العمل النقابي وانتمى الى الحزب الشيوعي الفرنسي، بعد أن وصل إلى أوروبا خلسةً كـ"مهاجر غير شرعي".

عُرِف صمبان بثوريته ومناهضته الشديدة لحرب "الهند الصينية" وللاستعمار الفرنسي للجزائر؛ وهو بذلك يلتقي مع عدة كتّاب ومناضلين شهيرين ساندوا القضايا العادلة، مثل تشي غيفارا وفرانز فانون. كما يلتقي وصديقه سيسيه في عدة نقاط، لعل أهمها الشغف بالسينما، فكلاهما درس التقنيات السينمائية في موسكو على يد أعلام السينما السوفياتية في الستينيات. وقد أخرج صمبان عام 1966 فيلمه القصير الأول "عربة بوروم"، ثم "سوداء فلان"، فـ "الحوالة".

أما محنته فبدأت عام 1970 عندما صادرت الرقابة في السنغال فيلمه "سيدو"، بأمر مباشر من الرئيس الشاعر ليوبولد سيدار سنغور. ولم تتوقف الرقابة عند هذا الحد، بل طاردته حتى في فرنسا عندما قدّم فيلم "معسكر تيراوي"، لكن كل تلك "المتاعب" لم تحد من حرّيته ولم تمنع سيرته من مواصلة الحياة بعد رحيله.

دلالات
المساهمون