المكتبات والقارئ: نحو بناء علاقة جديدة؟

17 يونيو 2020
(من مكتبة "مانيفكتور" في مدينة نانسي الفرنسية)
+ الخط -

مع الإنهاء التدريجي لإجراءات الحجر الصحي، تبدو المؤسسات الثقافية في آخر طابور العائدين، ففي فرنسا فتحت المؤسسات العمومية أبوابها وباتت تعمل بنسق عادي منذ قرابة شهر، ثم فتحت المقاهي والحدائق العامة بعد أسبوعين من ذلك، فيما بقيت المسارح وقاعات السينما والمكتبات مغلقة إلى اليوم.

وفي انتظار فتح أبوابها مُجدّداً، تقترح المكتبات العمومية والجامعية مجموعة من الإجراءات كي لا تنقطع الشعرة بين الكتب وقرّائها بشكل كلّي. لكن، مع إغلاق القاعات وعدم إمكانية ارتياد القرّاء للرفوف لاختيار الكتب التي سيستعيرونها، كيف يمكن أن تصل الكتب إلى من يحتاجها؟

أبرز الإجراءات التي جرى إطلاقها "خدمة كرافت" التي تقدّمها عدّة شبكات للمكتبات العمومية الفرنسية، وتتمثّل في توفير قوائم الكتب إلكترونياً وإتاحة عدد من صفحاتها، منها الفهارس كتعويض لعملية التقليب التي يقوم بها القراء عادة قبل تحديد الكتب التي يأخذونها معهم. أما استلام الكتب فيتمّ عبر بوابات المكتبات في أكياس من ورق الكرافت، ومن هنا جاءت تسمية الخدمة.

تُعِدّ المكتبات أيضاً مجموعات من ستة كتب في أكياس الكرافت لمشتركين يأتون إلى المكتبة دون تحديد المؤلفات التي يودّون استعارتها، وهذه الكتب قد تكون ضمن فئة مخصوصة (رواية، فكر، علوم..) أو عشوائية بشكل كامل. علماً أن غير المشتركين يمكنهم الاستفادة من نفس الخدمة في حال قدّموا طلب اشتراك.

على صعيد آخر، فتحت المكتبات العمومية عدد الاستعارات الممكنة من 25 كتاباً كحدّ أقصى إلى عدد لا نهائي على أن يتم استعارة الكتب بشكل متدرّج، بنسق ستّة كتب أسبوعياً، تأميناً لتداولها بين القراء، وهو إجراء يجعل الوصول للكتب أسهل للقراء من السابق.

إذا كانت هذه الإجراءات مرتبطة بسياق محدّد، فهي رغم ذلك تفتح على فرضيات عدّة، ومنها لو أُعجب القرّاء بخدمات المكتبات بهذه الصيغة، فهل سيؤخذ ذلك بعين الاعتبار حين تعود الأمور إلى ما كانت عليه، فيبقى نظام الإعارة بهذه المرونة. ما الذي كان يمنع كلّ هذه التسهيلات أن تنجز في الأيام العادية؟ لكن لو تحقّق ذلك، هل تبقى المكتبات كما نعرفها؟ ربما تنتهي تقاليد الجلوس لساعات في المكتبة، بما أن كلّ قارئ يستطيع تلبية حاجته من الكتب من باب المكتبة بعد أن يحجز ما يحتاجه عبر العالم الافتراضي.

وفي حال تواصل الإتاحة المفتوحة للإعارة مدّة طويلة، كيف سيكون موقف قطاع النشر خصوصاً وأن المكتبات الجامعية والعمومية تستوعب أربعة أخماس الكتب الصادرة في فرنسا، ما يعني أن كلّ كتاب بات متاحاً مجانياً ومن اليسير الوصول إليه في هذه المكتبة أو تلك من خلال الخدمات الجديدة.

لا تصلنا من المكتبات في البلاد العربية أصداء كثيرة عن تعاملها مع الجائحة وخططها لاسترجاع القراء ناهيك عن استدراج العزفين عن لقراءة إلى عالم الكتب. لا تصلنا في الغالب إلا إجراءات الغلق الظرفي أو فرض التباعد، وهي في ذلك مثل أيّة مؤسسة إدارية. وإذا لم تكن اهتزازات الوباء قد أثارت نوازع التفكير في تغيير التعامل مع القراء، فما الذي يحرّك سواكن المكتبات العربية؟

المساهمون