اجتاحت موجة ضخمة من الجراد منطقة الخليج مطلع عام 1942؛ كان ذلك في العام الثالث للحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، وكانت قوات الحلفاء حينها تخوض حرباً ضروساً ضد قوات المحور في شمال أفريقيا، وخشيت أن "يتسبب ذلك في نقص حاد في إمدادات الغذاء، الأمر الذي أوشك أن يجعلهم يخسرون الحرب في المنطقة" كما تورده وثائق "المكتبة البريطانية" التي أعلنت "مكتبة قطر الوطنية" عن عرضها مؤخراً.
كان الجراد يتدفق على منطقة الخليج بين شهري كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل من كلّ عام، وأدى ظهوره في مناطق متفرقة في قطر إلى زيادة المخاوف من اجتياح هذه الأسراب للمزارع خلال شهور الشتاء التي مرت بسلام، ولم تتضرّر منطقة الخليج بسوء.
وبهدف القضاء عليه، تشير الوثائق إلى تأسيس وحدة مكافحة الجراد في الشرق الأوسط (MEALU) في العام نفسه، بعد أن أصبحت تقارير الجراد جزءاً اعتيادياً من شؤون الإدارة الاستعمارية للمرة الأولى في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ونال الوحدة أهمية كبرى حيث احتلت المرتبة الثانية بعد العمليات العسكرية، باعتبارها هيئة فرعية تابعة لمركز تموين الشرق الأوسط (MESC)؛ المنظمة التي أٌنشئت لمساعدة خطوط الإمدادات الواردة إلى المنطقة وداخلها.
أُرسلت أولى بعثات "المكافحة" إلى السعودية وإيران واليمن والكويت وعُمان في العام التالي، وتكللت هذه البعثات بالنجاح من خلال الاستعانة بالطعم المسموم ورشّ المواد الكيميائية من الطائرات، حيث نجحت في الحيلولة دون حدوث تفشٍّ كبير بالمنطقة خلال فترة الحرب.
تنشر المكتبة تفاصيل تلك المعركة على موقعها الإلكتروني: https://www.qdl.qa/ar/locusts تحت عنوان "الحرب المنسية ضد الجراد التي ساعدت على الانتصار في الحرب"، مع الإشارة إلى أن وثائق المقيمية البريطانية في مدينة بوشهر الإيرانية والوكالة السياسية بالبحرين تمتلك إرثًا من الأوراق الخاصة بهذه الحرب التي طواها النسيان.
يلفت الباحث جيمس أونلي، مدير شؤون البحوث التاريخية والشراكات في "مكتبة قطر الوطنية" إلى أنه ليس كل أفراد وحدة المكافحة كانوا يستخدمون المركبات في التنقل، فأشهر عضو في الوحدة وهو المستكشف الإنكليزي وكاتب الرحلات الشهير ويلفريد ثيسيغر، الذي كان مسؤول البحث عن الجراد فيها، عبر منطقة الربع الخالي في عام 1946 على ظهر جمل مع فرقة بدوية صغيرة لجمع المعلومات حول أراضي تكاثر الجراد، ونشر بذلك وصفاً لرحلته في كتاب "فوق الرمال العربية" الذي نشر في عام 1959.
يُذكر أن "مكتبة قطر الرقمية" تضمّ أكثر من 1.9 مليون صفحة رقمية من المعلومات والوثائق والمخطوطات التاريخية، مما يجعلها أكبر مستودع رقمي في العالم مخصص لتاريخ الشرق الأوسط فقط. ويتيح موقع المكتبة إمكانية الاطلاع المجاني والإلكتروني على ثروة من المعلومات عن تاريخ الخليج والعلوم العربية والإسلامية.