في الوضع العادي، لا تُحصي مدينة الجزائر العاصمة الكثير من الفعاليات الثقافية على مدار أيام السنة، وإنْ كانت أفضلَ من غيرها مِن المدن الجزائرية التي تنعدمُ الأنشطة والفضاءات الثقافية في كثيرٍ منها.
لكنّ، مع وصول فيروس كورونا إلى البلاد والإعلان عن تسجيل أوّل حالةِ إصابةٍ به في الخامس والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، كان واضحاً أنّ الفعاليات الثقافية ستتوّقف إلى إشعارٍ آخر، وهو ما حدث فعلاً؛ إذ أعلنت وزارة الثقافة، قبل أيام، عن تأجيل جميع الأنشطة والتظاهرات واللقاءات الثقافية إلى إشعار آخر، بما فيها الفعاليات والأنشطة التي يُنظّمها الخواص في الفضاءات التابعة للوزارة.
من جهته، أعلن "المسرح الوطني الجزائري محي الدين باشطارزي" تعليقَ جميع عروضه المسرحية ابتداءً من الأربعاء الماضي، ومِن بينها فعاليات الدورة الرابعة عشرة من "المهرجان الوطني للمسرح المحترف" التي كان مقرّراً تنظيمُها بين التاسع عشر والثلاثين من الشهر الجاري. وقال مدير المسرح الوطني، محمد يحياوي، إنَّ المسارح الجهوية في بقية المدُن الجزائرية معنيّةٌ أيضاً بهذا الإجراء الوقائي.
في السياق نفسه، أعلنت "أوبرا الجزائر بوعلام بسّايح" عن تأجيل كلّ النشاطات الفنّية والثقافية التي كانت مبرمجَةً خلال هذه الفترة، في "إطار الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا".
وإلى غاية اليوم الجمعة، جرى الإعلان عن تسجيل تسعين حالةَ إصابةٍ مؤكّدة بفيروس "كوفيد 19" في الجزائر، من بينها عشر وفيات، وهي من بين نسب الوفاة بالفيروس الأعلى عالمياً.
وبينما توقّفت الفعاليات الثقافية، استمرّت اللقاءات التي تُنظّمها وزارة الثقافة تحت عنوان "فطور الصباح مع الوزيرة"، وهو لقاءٌ دوري يجمع وزيرة الثقافة مليكة بن دودة مع الفاعلين في المجال الثقافي؛ حيثُ نُظّم الثلاثاء الماضي لقاءٌ جمعها بعددٍ من الكتّاب والناشرين.
إضافةً إلى واقع الكتاب والنشر في الجزائر، تحدّثت بن دودة عن المشهد الثقافي في ظلّ الوضع الحالي، معتبرةً أنَّ الظرف يشكّل "فرصةً لتنظيم بيت الثقافة من الداخل بهدوء وبعيداً عن القرارات الاستعجالية، من أجل بعث ديناميكية جديدة للثقافة"، وأنّ وزارتها "تفكّر في طرق لمواصلة رعاية الفعل الثقافي خارج الأُطُر والفضاءات التقليدية".
ليست فكرة اللقاءات التي تجمعُ وزير الثقافة بالفاعلين الثقافيّين جديدةً في الجزائر؛ إذ نُظّمت في 2012 سلسلة لقاءات جمعت وزيرة الثقافة حينها، نادية لعبيدي، بكتّابٍ وناشرين ومسرحيّين وسينمائيّين وتشكيليّين وغيرهم، غير أنّ كلَّ الأفكار والنقاشات التي طُرحت خلال الجلسات ظلّت مجرّد حبر على ورق. كما أُعيد طرحُ الفكرة في فترة عز الدين ميهوبي لكنها لم تُجسَّد.
بالنسبة إلى وزيرة الثقافة الحالية، يبدو أنَّ الأمر لن يكون مختلفاً كثيراً؛ خصوصاً أنّ الوضع برمّته لا يتعلّق بشخص الوزير أو مدى جديته في إحداث إصلاحاتٍ جذرية في القطاع، بقدر ما يتعلّق بإرادةٍ سياسية تدفع بالمشهد الثقافي قُدُماً، وهو ما يبدو غائباً حالياً.
لنُلاحظ أنّ حديث الوزيرة، التي تولّت منصبها نهايةَ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن "بعث ديناميكية جديدة للثقافة" كلامٌ مكرور ولا يتضمّن توضيحاً لآليات تجسيده، ولا ترافقه خطواتٌ على الميدان تُؤكّد وجود نية لتجسيده. ينطبق ذلك أيضاً عن حديثها حول "التفكير في رعاية الفعل الثقافي خارج الأُطُر والفضاءات التقليدية"، والذي يبدو محض كلامٍ مرسَلٍ ما لم يتضمّن طرائق واضحة لتجسيده، هذا إذا تجاوزنا حقيقةَ أنّ التدخُّل المفرط للدولة في المشهد الثقافي تحت مسمّى "رعاية الفعل الثقافي" يمثّل في حدّ ذاته مشكلةً كان لها الكثير من الآثار السلبية على القطاع.