يقبض البلاط المزجج، ببراعة، على طول الشوارع المرصوفة بالحصى في القدس على النور والعين. هذه القطع الملوّنة، تُعرَف باسم السيراميك الأرمني، وهي من السمات المميّزة للمدينة المقدَّسة.
تمثّل هذه الأعمال الفنية الخزفية، التي أصبحت جزءاً من كثير من المنازل والمتاحف في جميع أنحاء العالم، قصّةً عن البقاء؛ ففي السنوات الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، حيث هُجّر مئات الآلاف من الأرمن قسراً، حمل رجلٌ واحد أسرار هذا الفن القديم معه إلى المنفى ومشى باتجاه الصحراء السورية إلى أن وصل إلى فلسطين، وهذا الرجل اسمه ديفيد أوهانسيان.
مع الوقت تَكوّن الحيُّ الأرمني في القدس، والذي تُعادل مساحته سدس مساحة المدينة القديمة، وقد اشتهر الأرمن بالتصوير والصياغة وحرفة السيراميك، وما أن وصل إلى القدس، أسّس أوهانسيان سنة 1919 مصنع "فخار فلسطين" ليكون أول مصنع للسيراميك في البلاد.
"عيد الرماد: حياة وفن ديفيد أوهانسيان"، عنوان كتاب ألّفته عازفة الناي الأميركية الأرمنية ساتو موغاليان، الذي تلقي حوله محاضرة في "المتحف الفلسطيني" برام الله عند السادسة والنصف من مساء الأحد المقبل، وتحاورها حوله الأكاديمية والكاتبة عادلة العايدي- هنيّة.
الكتاب رحلة استكشاف حياة وفنّ جدّها أوهانسيان، وقصّة ازدهار مهنة وفنّ صناعة الخزف الأرمني في المدينة، حيث تتقفّى موغليان آثار جدّها من خلال تتبّع أعماله في الكنائس، وفي جدران البلدة القديمة وغيرها من الأماكن.
شهدت حياة أوهانيسيان اضطرابات كثيرة؛ حيث وُلد في قرية جبلية في الأناضول، وشهد صعود القومية العنيفة في السنوات الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، وتعرّض للاعتقال والترحيل، وأسس تقليداً جديداً من السيراميك في القدس تحت الانتداب البريطاني، وقضى سنواته الأخيرة، مقتلَعاً من جذوره التي كونها في فلسطين، ليعاود مرة ثانية الرحيل متنقلاً ما بين القاهرة وبيروت.
تكشفت حفيدته ساتو عن قصة حياته وتنسج بين الروايات العائلية مع النتائج الأرشيفية المكتشفة حديثاً. وفي كتابها يبرز سعيها الشخصي لتعرّف جدها؛ الرجل الذي لم تقابله مطلقاً، لتصل إلى فهم قصة إنسانية عن الهجرة والبقاء والأمل.
الكاتبة حاصلة على عدة جوائز في مدينة نيويورك، ومنذ عام 2007 سافرت إلى تركيا وإنكلترا وفلسطين وفرنسا للكشف عن آثار حياة جدّها، ونشرت مقالات وحاضرت وكتبت حول نشأة فن الخزف الأرمني في القدس.