قام البطريرك السرياني اليعقوبي ديونيسيوس التلمحري بخمس رحلات، دوَّن وقائعها في كتاب التاريخ الذي وضعه، والذي فقد مع كرور الأيام، ولكن المؤرخين السريان اللاحقين استوعبوه في كتبهم، وعلى رأسهم البطريرك ميخائيل الكبير والمؤرخ الرهاوي المجهول، إذ تضمن كتاباهما التاريخيان جزءاً مهماً مما كتبه التلمحري، حتى إن البطريرك ميخائيل نقل مقدمة التلمحري كما هي.
ولد البطريرك ديونيسيوس التلمحري في بلدة تلمحرة من أعمال الرها (أورفة في تركيا الحالية) والتي تعدّ عاصمة الكنيسة السريانية الغربية، عشق الحياة الرهبانية فانتسب إلى دير قنسرين ذائع الصيت جنوبي مدينة حلب، واتشح فيه بالأسكيم الرهباني.
وفي وقت كانت الخلافات والانشقاقات تعصف بالكنيسة السريانية اليعقوبية، تم تنصيبه عام 818م بطريركاً بطريقة وصفها هو في مقدمة مذكراته وأخبار رحلاته. وقد أمضى حياته محاولاً توحيد الكنيسة السريانية وإعادة المتمردين إلى حياضها.
بدأ البطريرك التلمحري أولى رحلاته إلى بغداد عبر بلاد الجزيرة عام 820م للحصول على فرمان اعتراف بسلطته الكنسية، فحصل على الفرمان بمسعى الأمير طاهر بن الحسين الخزاعي، الذي كان يكنّ للمسيحيين احتراماً ومحبة خاصين.
وكان يودّ التوجه إلى تكريت، غير أنه بسبب أسقفها المتمرد باسيل، عرّج على الموصل، ثم قصد مدينة قرقيسياء عند مصب نهر الخابور بنهر الفرات جنوبي دير الزور، ثم توجه نحو قرى حوض الخابور، ووصل إلى نصيبين ودارا وكفرتوثا قبل أن يعود إلى مقر إقامته في دير قنسرين.
تلت ذلك رحلته الأولى إلى مصر، التي قصدها هو وشقيقه أثناسيوس، مطران الرها عام 825م للاحتجاج على هدم الكنائس، فنزل من أنطاكية إلى دمشق، فميناء يافا، حيث ركب سفينة أوصلته إلى مدينة تنيس، التي بقي فيها فترة من الزمن واطلع على أحوال أهلها، قبل أن يلتحق به شقيقه المطران الذي أتى عن طريق البر، فالتقى بالبابا يعقوب بطريرك الأقباط، وطاف ببعض مدن الوجه البحري وزار الإسكندرية، قبل أن يلتقي بالأمير عبد الله بن طاهر ويحصل منه على رسائل توصية بإيقاف هدم الكنائس.
رحلته الثانية إلى بغداد، كانت في عام 829م، وكانت بسبب انقسام الكنيسة نتيجة قرار أصدره الخليفة المأمون حول الطوائف والجاليات، والذي يحق وفقه لكل عشرة أشخاص أن يقيموا عليهم رئيساً، دون أن يحق لأحد معارضتهم.. ويبدو أنه أقام في بغداد فترة طويلة، ريثما استطاع أن يجتمع بالخليفة.
وتكمن أهمية هذه الرحلة في أنها نقل حي للحوار الذي تمّ بين البطريرك والخليفة، وفيه وصف بارع لشخصية المأمون لا نجده في أي مصدر آخر. وقد غادر البطريرك بعدها بغداد إلى تكريت لحل بعض القضايا الكنسية، قبل أن يغادر إلى سورية في يناير/ كانون الأول سنة 830م.
أما رحلته الثانية إلى مصر فهي الأهم على الإطلاق، إذ كلّفه بها الخليفة المأمون لكي يقف على أسباب ثورة أقباط إقليم البشروط في الدلتا، ومحاولة إقناعهم بالعدول عن تمردهم.
وقد بدأت هذه الرحلة من دمشق مطلع عام 832م بصحبة الخليفة، وصولاً إلى مصر براً عبر طريق فلسطين القديم. ووصل إلى الفرما، وهناك اجتمع بالخليفة قبل أن يتوجه إلى إقليم البشروط بصحبة بابا الإسكندرية البطريرك يوسف، لكي يتوسطا لإنهاء التمرد. وكانت النتيجة غير مرضية. فعاد إلى دمشق بطريق البر نفسه. وقد قدّم أوصافاً مهمة للأهرامات ومدينة الفسطاط ومدينة عين شمس.
وعموماً، فإن هذه الرحلات، التي كانت تستمر لشهور طويلة، كانت زاداً مهماً للبطريرك في كتاباته، فقد كان يلتقي خلالها كبار الأمراء والقادة والحكام، كما كان يلتقي كذلك رجال الأكليروس والأناس العاديين، ويستمع إليهم ويجادلهم، ولذلك نقل هذه الشهادة النادرة عن أوضاع الخلافة العباسية، وتركيبتها وآليات الحكم فيها، والصفات الشخصية للخلفاء الذين التقاهم.. وهي شهادة تسبق أقدم النصوص العربية التي تناولت هذه المرحلة بحوالي نصف قرن. وفيما يلي مقتطفات من هذه الرحلات التي سبق أن حققتها وأصدرتها في كتاب مستقل صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013.
لقاء مع الخليفة المأمون
في هذه الأثناء، أصدر المأمون قراراً يقضي بعدم معارضة أية مجموعة من عشرة أشخاص فأكثر تريد إقامة رئيس لها، وذلك من أجل إضعافنا والتحكم فينا.
فنزل أبيرام إلى بغداد وجلب فرماناً يخوّله أن يكون بطريركاً. وقد عنفه عبد الله بن طاهر مرات عديدة ولامه على تمرده، وهو ما دعانا إلى زيارة الخليفة في بغداد لإلغاء هذا القرار، حيث ساد الخوف بعد انقسام اليهود على إثر إقامة الذين في طبرية شخصاً يدعى داود حبراً لهم، في حين أقام الذين في بابل شخصاً آخر يُدعى دانيال من شيعة الكنعانيين (!) الذين يحلون السبت ويحفظون الأربعاء، فلما وصلت قضيتهم إلى المأمون قرّر أن يختار كل جانب من يشاء رئيساً له.
لما بلغنا العاصمة وقبل أن نمثل أمام الخليفة، أثار إبليس فتنة أكثر شراً من فتنة أهل نصيبين، وذلك بالتهم التي قدمها أهل بغداد إلينا ضد أسقفهم لعازر، والتي كانوا قد قدموها إلينا قبل سنتين في أنطاكية، فلم نناصر المشتكين طمعاً بالمصالحة، ولما اضطررنا إلى قراءة التحقيق وثبتت لدينا التهم، قررنا عزله، الأمر الذي لم نفكر به قط حتى ذهابنا إلى تكريت، حيث كان ينبغي أن يتم التحقيق لئلا تُهان هيبتنا في مثل تلك المدينة. فلما انشقت كنيسة بغداد، وصلت قضيتهم إلى الخليفة، وعزا أصحاب لعازر سبب ذلك الشغب، إلينا. غير أن الخليفة المسالم هدأ من غضبه لدى علمه بأننا جئنا لزيارته حاملين له الهدايا.
وبعد فترة سمح لنا بالدخول إليه فوقف الأساقفة عن بعد، وأذن لي فقط بالدنو منه حيث كان يتنزه في بستانه ممتطياً فرسه. فبسط إلي يده كالعادة المألوفة لدى الخلفاء الذين يمدون أيديهم باحترام لأول الداخلين إليهم. فسألني: ما شأنك وكيف تسير الأمور عندكم؟
فأجبت: إننا نتمتع بسلام بوجودك، كما قال بولس لفيلكس، وقد تحسنت ظروف شعبنا في عهدك، وعليه فنحن لا نقدم لك الشكر فحسب، أيها الملك الظافر، بل ونصلّي من أجل أن يطيل الرب حياتك، ثم أشار إلي لأسترسل في الحديث.
وحيث إني علمت بأن مذكرات قدمت إليك بخصوص لعازر، أردت أن يفتح لي باب الحديث عن طريق هذا الموضوع فقلت:
لم يكن لنا وللأساقفة أي غرض من مجيئنا إلى هنا، سوى زيارتك والدعاء لك، ولكن لما طال مكوثنا هنا، صادف وأن رفعت إلينا شكوى ضد أسقف هذه المدينة من قبل من كانوا موالين له، وإذ ثبتت تهم الشكوى من خلال التحقيق وشهادة الشهود، انتزعنا منه السلطة، فقاومنا مع بعض المتمردين متشبثاً بقرارك القاضي بأن كل مجموعة مؤلفة من عشرة أشخاص فما فوق بإمكانهم إقامة رئيس لها، ولا يحق لأحد مقاومته. إنه لأمر لا يصدق أن يصدر من عدالة ملك، ونحن نؤيد معاقبة من يتجاسر ويكذب على الخليفة.
فأجاب: لقد سبق وصدر عني هذا القرار بالنسبة إلى اليهود، ونحن لسنا ملزمين بإقامة رئيس لكم ما دمتم خاضعين لحكمنا.
فقلت: أيها الملك العادل، أين عدالة أحكامكم؟ ومتى صدر قرار مثل هذا من خليفة مثلك؟ فأنتم تعرفون أن بيننا وبينكم عهوداً ووثائق موقعة ومختومة بخاتم الخلفاء الذين فتحوا المدن. وبناء على ذلك استسلمنا لكم، فإذا نكثتم بتلك العهود، ومنعتم عنا شعائرنا ورئاستنا، تكونون قد ألحقتم الغبن بنا، لأن أمورنا ستضطرب وسننتهي إلى محاربة بعضنا البعض، ولن تغدوا حكامنا.
قلت هذا وأنا أصرخ وأحرك يدي تجاهه كالذي يخاصم زميله من أجل تقسيم الغنيمة، كما رفع هو الآخر صوته كمن يبارز نداً له دون أن يمتعض من الدالة التي أظهرتها نحوه.
ثم سألني عن كيفية إصدار القرار ضد لعازر، فأسمعته القصة من أولها. بعد ذلك أبرز الشكوى التي رفعها الموالون له ضدنا، وأخيراً قال: أيها المسيحيون، إنكم تزعجوننا كثيراً وتؤذوننا، لاسيما أنتم اليعاقبة كما هو واضح من الشكاوى التي تقدمونها إلينا ضد بعضكم البعض، فامض الآن وعد إلي غداً.
لقد تعجب أساقفتنا وجنوده بالدالة التي تحدثت بها إليه بقوة الله، وبطول أناته عليّ. وبعد عشرة أيام قلنا للعازر المارديني، من حاشية الخليفة، أن يذكره بوعده ففعل. وكان هناك يحيى بن أكثم قاضي قضاتهم، فأمر الخليفة بحضوره في اليوم التالي مع الفقهاء.
مجادلة مع الفقهاء
وفي الصباح دخلت إليه لوحدي ووقف معظم الأساقفة على الباب فرأيته جالساً على أريكته وقد انتظم حوله قضاة بغداد وعلماؤها، فسلمت ودعوت له، فأمر بأن أجلس قبالته، وقال لي: لقد أنحيت علي باللائمة ظلماً أيها البطريرك، بسبب القرار الذي أصدرته بحقكم، لذا جمعت الفقهاء لأتحدث إليك أمامهم.
ثم التفت صوب الشيوخ وقال: ماذا ترون، هل يستوجب علينا أن نعين حكاماً من المسيحيين ما دامت الدولة لنا، أم أنهم بحسب القرار الذي أصدرته فيهم وفي اليهود، يتمتعون بالسلام الذي نوفره لهم إذا ما أخلصوا لنا الطاعة والتزموا بالهدوء، ولن يكون من يكرههم على تغيير إيمانهم وتقاليدهم؟
فكان جوابهم لهذا السؤال الموجه إليهم مقترناً بالزيف، إذ قالوا: ترى من مثلك له خبرة في الأحكام، أو من أصدر حكماً أكثر عدلاً من هذا؟
فلم أرد بشيء على قرار الشيوخ المزعج هذا، بل قلت للمأمون، لو سمحت فإني أودّ أن أتحدث عن سر المسيحيين..
حينئذ قال: نحن لا نمنعكم من تجريد من يقاومكم من رتبته، أما أن تطردوا شخصاً من الكنيسة أو تمنعوه من الصلاة، فهذا ما لا نسمح لكم به. ثم أوعز إلى كاتبه أن يتلو كتاب قاضي الموصل. ولما همّ بالقراءة، التفت إليّ الخليفة وقال: أصغِ أيها البطريرك وانظر كم نحتمل منكم.
فلما تلي الكتاب لاحظت أنه يبخس بالمسيحيين فلم أتحمل فقلت: حفظك الله أيها الخليفة، إن أبناء الموصل واقفون على بابك منذ عدة أيام منتظرين أن يقدموا شكوى ضد قاضيهم الذي بالغ في ظلمهم، فهلّا أمرت بدخولهم واستمعت إلى شكواهم؟ فقال: هل بإمكانك أن تتحدث باسمهم؟
قلت: يدعي المواصلة أنهم سلموا مدينتهم للمسلمين طوعاً، وقد تعهد فاتحها بعدم هدم أية كنيسة أو إبطال شريعتهم. غير أن هذا القاضي هدم كنيستهم الكبرى وألغى شريعتهم.
فأوعز الخليفة إلى يحيى بن أكثم قاضي القضاة أن يستمع إلى المواصلة حول فتح مدينتهم، فإذا كانوا قد سلموها فعلاً، لهم أن يتمتعوا بالتعهد الذي أعطاهم فاتحها.
أما من جهتنا فقال: إننا لا نتدخّل بينكم، ولك إذا تمرد عليك أحد الأساقفة الذين تحت سيطرتك وثارت فتنة بسببه، فنأمر أن تبقى أوقاف كنيسته تحت توليتكم ولا يحق له إدارة شؤون كنيسته باستثناء الصلاة فيها.
ثم قال للقاضي إسحاق، انظر إذا ثبت أن لعازر هو تحت سيطرة البطريرك، نفذ فيه أمرنا، وامنعه وأتباعه من إثارة الشغب.
وهكذا غادرناه ولم يكن لي من سند سوى الروح القدس الذي وعد بإرشاد الذين يجاهدون من أجل المسيح. حقاً أنه لمن الصعب عليه أن يسلم، وهو ملك، بأنه قد غلب. لكننا فهمنا بعد مغادرتنا أنه ارتاح لحديثنا معه. فقد قال الفقهاء للشعب المجتمع خارجاً: لقد كان حديث رئيسكم رائعاً وقد امتدحنا شجاعته، فعليكم أن تتمسكوا به وتحترموه لأننا لم نرَ مسيحياً بقوة الإقناع مثله. تم هذا الحديث في آذار 1140 [829م].
رحلة إلى مصر
في سنة 1142 [831م]، توفي يعقوب بابا الإسكندرية، وخلفه مار سمعان ولكنه توفي هو أيضاً بعد ستة أشهر فقط، وخلفه يوسف، وفي أيار من السنة عينها تحرّك المأمون من دمشق باتجاه قلعة كيسوم، وهناك لقيناه، ولما علم المأمون أن المصريين تمردوا، عاد إلى دمشق، ولما لم نكن قد تلقينا منه أمراً بالبقاء في كيسوم، ولم نقدم له الهدايا التي كنا نحملها إليه، اضطررنا إلى الرحيل إلى دمشق. وهناك قبلت هدايانا بواسطة لعازر المارديني الرئيس الكريم.
وأرسل المأمون يقول لنا: "ابق في دمشق، لأننا نريد أن ترافقنا إلى مصر، لكي تذهب سفيراً إلى البياميين في مصر السفلى، وتوصيهم بالعدول عن التمرد الذي بدا منهم".
وكان المأمون قد أرسل الأفشين إليهم لإحلال السلام.. ولكن الأفشين ألزم جنوده بأن يجمعوا أرزاق الجيش من قراهم. وصادف أن رأى بعض الجنود امرأة فحاولوا اغتصابها فصرخت، وسمع الذين في الجزيرة صراخها فاندفعوا نحوها وقاتلوا، فقتل منهم وقتلوا. فتعكر بذلك صفو الأمن ثم تلاشى كلياً.
سير الرحلة
ولما رحلنا من دمشق وبلغنا المدينة المصرية الأولى التي تدعى الفرما في شهر شباط، استدعاني الخليفة المأمون بواسطة الفضل المشرف على شؤون المملكة. ولما دخلت عليه صافحني كالعادة وقال: لقد سمعت أيها البطريرك بتمرد المسيحيين الأقباط المعروفين باسم البياميين الذين لم يتعظوا بما جرى لهم في الحرب الأولى، ولولا أني رحيم ولا رغبة لي في القتل، لما أرسلتك إليهم، لكن اصطحب الأساقفة الذين معك وجماعة من المصريين، وسافر إلى المتمردين وأعطهم تعهداً بالأمان، وليحضروا مع قواتهم إلى المكان الذي اختاره لإقامتهم، وإن لم يذعنوا أهلكتهم بحد السيف.
فاستعطفته أن يبقيهم في منطقتهم فرفض، مصمماً على أحد الأمرين، إما ترك بلدهم أو القتل. وأمر أن يرافقني بطريرك مصر، فسافرنا بطريق النهر، وبعد ثمانية أيام التحق بنا البطريرك يوسف.
فنزلنا إلى إقليم بشروط حيث يقيمون فوجدناهم مجتمعين في إحدى الجزر المحاطة بالقصب والبردي. فجاء إلينا رؤساؤهم فلمناهم على تمردهم وعلى ما ارتكبوه من أعمال القتل، فاشتكوا من الحاكم.
ولما أطلعناهم على قرار مغادرتهم بلدهم اغتاظوا وطلبوا إلينا أن نستأذن الخليفة ليقابلهم فيطلعوه على ما يحتملونه من حاكمهم أبي الوزير الذي ضاعف عليهم الجزية، وكان يسجنهم في الليل فتأتي نساؤهم لهم بالطعام، فيهجم عليهن الجند وينجسونهن. كما كان يفكر بقتل الكثيرين منهم حتى إبادتهم جميعاً لئلا يشكوه لدى الخليفة.
ولما أخبرنا القائد أفشين برفض المتمردين الاستسلام، استطرد قائلاً: إذن فالسلام غير وارد، فاذهبا وقولا للخليفة إن لا مكان للسلام. وباشر يحاربهم، فأضرم النار في القرى والكروم والبساتين والكنائس في أرجاء الإقليم كلها.
أما البياميون فكانوا يطعنون الفرس ويرمونهم بالسهام والحراب من بين القصب، واستقدموا جيرانهم وحرضوهم ضدهم فقتلوا وقُتلوا.
نصيحة للمأمون
ولدى مقابلتنا الخليفة أطلعته على كل الأمور، بما في ذلك الظلم الذي ألحقه أبو الوزير بالأقباط والذي سببه عدم تحقيق السلام، وكيف أن أبناء المنطقة يشتكون منه ومن اثنين آخرين. وكان يصغي إليّ بارتياح، وإني لم أقع تحت تأثير غيرتي.
وقد تجرأت ونصحته واستشهدت الله عليه مذكراً إياه بالحساب الذي سيقدمه لربه عن الرعية المؤتمن عليها، مستشهداً بقول النبي بالحق تكلمت أمام الملوك ولم أخجل.
فقال: إن هؤلاء العمال لا يتصرفون بحسب إرادتي، وأنا لا أحبذ أن أثقل على الناس، لا بل إني أشفق على أعدائي الروم، فكيف لا أشفق على رعيتي؟ وبإذن الله سأصحح كل شيء.