أصدقاء لغتنا: مع فيلابوراتو عبد الكبير

29 يناير 2019
(فيلابوراتو عبد الكبير، تصوير: العربي الجديد)
+ الخط -
 

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "أكثر الكتب المترجمة إلى الملايالامية هي الكتب الدينية. أما بقية الحقول المعرفية فتحتاج لدعمٍ من البلاد العربية" يقول المترجم الهندي في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
بفضل نظام التعليم الذي يتّبعه المسلمون في الهند عموماً وفي ولاية كيرَلا خصوصاً، لا يزال للعربية حضورها في الهند، حيث يوجد نظام تعليمي أقامه مسلمو الهند، منذ الاستعمار البريطاني واستمرّ إلى ما بعده، متوازياً مع النظام التعليمي الرسمي. كان هدف هذا النظام تربية الجيل الناشئ على الأسس الدينية، وقبله كان التعليم مرتكزاً على المساجد لا يختلف في ذلك عن بقية البلدان الإسلامية في القرون الوسطى.

وبعد زوال السلطنة المغولية وصعود الاستعمار البريطاني، اهتم المسلمون بتأسيس مدارس خاصة وجامعات مثل جامعة ديوبند في فاراناسي وجامعة ندوة العلماء في لاكهنو والجامعة الملية في دلهي وجامعة دار السلام في عمر آباد، متوازية مع المدارس والجامعات الحكومية لتأصيل الثقافة الإسلامية في نفوس الطلاب حيث إن مناهج الدراسة ومقرّراتها في المعاهد الحكومية خالية تماماً من العلوم الدينية الإسلامية. في كل منطقة في كيرلا، نجد مدارس خاصة بالمسلمين حتى المرحلة الثانوية متوازية مع المدارس الحكومية، تبدأ فيها الدروس قبل ساعتين من ساعات العمل في المدارس الحكومية أو في الفترات المسائية. ويعتبر المسلمون الهنود هذه المدارس قلعة لحفظ هويتهم الدينية. وبما أن القرآن كتاب مقدّس بالنسبة للمسلمين وأنه باللغة العربية فلا بد أن يقرأه كل مسلم ولو تبرّكاً. ولا سبيل إلى القرآن إلا بتعلّم اللغة العربية.

ككل طفل مسلم كانت بداية علاقتي باللغة العربية عبر هذه المدارس. ولكن دراسة اللغة العربية تقتصر في مرحلة أولى على تعلم قراءة القرآن فقط، ولم يكن يدرّس من العربية سوى بعض القواعد النحوية والصرفية.

أما العلوم الدينية الأخرى، فكانت تدرّس باللغة المحلّية باستبدال حروفها بالحروف العربية، حتى أن حروف اللغة الملايالامية (اللغة المحلية في ولاية كيرلا) التي لا توجد في اللغة العربية اخترعت طريقة لكتابتها بالحروف العربية بوضع مزيد من النقاط على بعض الحروف الحالية وبربط بعض الحروف ببعضها، وهو ما أنشأ لغة خاصة بالمسلمين في كيرلا تسمّى بلغة "عربي - ملايالام". لغة شهدت إصدار مجلات وكتب، وكما وُضعت بها قصص وأشعار وروايات. ظلّ هذا الوضع قائماً حتى بداية القرن العشرين، ونجد أمراً شبيهاً في الولاية المجاورة، تاميلنادو، حيث كان يستخدم المسلمون الحروف العربية في لغتهم الأم "تاميل". وتعرف لغتهم هذه باسم "عربي-تاميل"، وتوجد هذه الممارسة في بعض البلدان الأفريقية. أما في شمال الهند، فإننا نجد الأردو، لغة المسلمين، كانت أصلاً تكتب بالحروف العربية ولا تزال، لم يبدّلوها كما استبدل مصطفى كمال أتاتورك حروف اللغة التركية بالحروف اللاتينية لصرف بوصلة الثقافة الإسلامية العربية نحو الثقافة الغربية فتذوب هوية الجيل الجديد في البوتقة الأوروبية.

بعد المرور من المدرسة الإسلامية الخاصة والمدرسة الحكومية، التحقتُ بالكلية الإسلامية التي تديرها الحركة الإسلامية في كيرالا بمنهج دراسة يحتوي مقرّرات من العلوم الدينية مع العلوم المعاصرة مثل علم الاقتصاد وعلم السياسة والمنطق والفلسفة، وتعتمد على ثلاث لغات هي العربية والأردو والإنكليزية علاوة على لغة المالايالام.

كان هدف الكلية إنشاء جيل نشيط عالي الكفاءة لمواجهة تحديات العصر الجديد. وكانت مكتبة الكلية غنية بآلاف من الكتب، من الكلاسيكية إلى الحديثة في لغات مختلفة. هناك التقيت بأعمال طه حسين ومصطفى صادق الرافعي وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وأحمد أمين ومحمد عبده وقاسم أمين وحسن البنا وسيد قطب وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم، إضافة إلى أعمال برتراند رسل وكارل ماركس وغيرهما. كانت تصلنا أيضاً مجلات وجرائد عربية مثل "روز اليوسف" و"الهلال" و"الأهرام" من مصر، و"الحياة" من لندن، و"دعوة الحق" من المغرب، و"مجلة العربي" من الكويت، و"مجلة المسلمون" لـ سعيد رمضان الصادرة في سويسرا. هكذا زاد اهتمامي وإلمامي باللغة العربية. أعتقد أن لمكتبة الكلية وهذه المجلات دورا فاعلا في تنمية ملكاتي في اللغة العربية. وإنني ممتن جداً لهذه الكلية.


■ ما هو أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟
باكورة عملي في الترجمة كان "مذكرات الدعوة والداعية" لحسن البنا. وجدته بداية في مكتبة الكلية. وبعد تخرّجي، التحقت بمجلة الدعوة الأسبوعية الناطقة باسم الحركة الإسلامية في كيرلا، فاخترت هذا الكتاب لترجمته ونشره متسلسلاً في المجلة. ثم تم نشره في شكل كتاب من قبل "دار النشر الإسلامية" التابعة للحركة. وهو الآن في طبعته الخامسة.


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
آخر اصداراتي "نساء على أجنحة الحلم" للباحثة الاجتماعية المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي و"مختارات من الشعر العماني" جمعها هلال الحجري. وأما مشروعاتي القادمة، فأريد أن أنشر مختارات من القصص العربية قصّة لكاتب وكاتبة من كل بلد عربي. قمتُ بترجمة كثير من القصص ونشر بعضها في عدد من المجلات عندنا ولكن لم تظهر في كتاب موحّد حتى الآن. وكذلك أرغب في ترجمة "مذكرات أميرة عربية" لسالمة سعيد، الأميرة العمانية التي تزوجت مسيحياً ألمانياً وتحولت إلى الديانة المسيحية، وكذلك رواية "الرهينة" للكاتب اليمني الراحل زيد مطيع دماج.


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
العقبة الكبرى في اعتقادي هي الحصول على الموافقة من مؤلفي الأعمال الأصلية. وبعض الكتّاب لا يردّون بتاتاً على طلب المترجمين بينما البعض الآخر يطلبون من المترجم مبلغاً كبيراً دون إدراك حدود لغتنا المحلية، وهنا نشير إلى أن ولايتنا أصغر ولاية في الهند، ولغتنا المحلية لا تتجاوز حدودنا الجغرافية، فهي ليست بإشعاع لغة "الهندي" الوطنية الرسمية ولغة الأردو اللغة الأم لجميع المسلمين القاطنين في ولايات شمال الهند. أيضاً، ليست للغتنا قاعدة قرّاء على نطاق واسع مثلما تتمتع بها اللغة العربية أو الإنكليزية. ثم إن كثيراً من دور النشر عموماً لا تعطي المترجم إلا مكافأة زهيدة. والعقبة الثانية بالنسبة لي كمترجم هي اللهجات العامية المختلفة في لغة كل بلد عربي. مثلاً، فإن رواية مثل "عودة الروح" لتوفيق الحكيم لا يستطيع أحد ترجمتها إلى لغة أخرى إلا بإلمام تام باللهجة العامية المصرية. حين كنت أعيش في قطر، اضطررت أن أصرف الكثير من وقتي في مشاهدة الأفلام والمسلسلات العربية لتعلّم هذه اللهجات فقط.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين فقط، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي. كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
يعود هذا أولاً إلى أن منطق السوق، وهو ما يأخذه الناشرون بعين الاعتبار. الربح هو همهم الأكبر. الإنتاجات في مجال الفكر والمعرفة يندر في العموم أن نجد لها قاعدة قرّاء واسعة. أعتقد أن السبيل لتجاوز هذه الحالة هو أن يتم التنسيق في هذا الشأن بين الحكومات أو مجالس الثقافة في كل دولة. ويمكن لمجلس الثقافة في كل بلاد عربية أن يكتشف مترجمين أكفاء بتخصيص مكافأة جيدة لهم لنقل إسهامات المفكرين في الدولة المعنيّة إلى لغات أجنبية وأن تتحمّل هذه المؤسسات تكاليف نشرها في تلك اللغات. أكثر الكتب المترجمة عندنا هي الكتب الدينية التي تنشرها دور النشر التابعة لمنظمات دينية، وذلك أيضا وفق نظرتهم واهتمام المعنيين بالثقافة العربية. أما بقية الحقول المعرفية فلا يهتمون بها. كانت ثلاثية "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام" لأحمد أمين شغلاً شاغلاً في رأسي فترة منذ أن قرأتها حين كنت طالباً في الكلية الإسلامية. رغبتي الشديدة في نقلها إلى لغتنا المحلية لم تتحقق بعد. هل هناك منظمة دينية تتجرأ أن تتحمل أعباء نشرها؟ صحيح أن في أفكار أحمد أمين ما يُؤخذ عليها، ولكن هذا لا ينفي قيمتها المعرفية الإجمالية.


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد؟ وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية، ليس بيني وبينها تعاون ولا أريده، لأنني أرى أن التعاون ضمن هذا الشكل قد يقود إلى ورطة حيث يمكن أن يمسّ من استقلالية موقفي من سياسة هذه الدولة أو تلك. كثير من الأنظمة في العالم العربي، للأسف الشديد، لا تتسامح مع الرأي الآخر وعديمة الروح الديمقراطية. أما على مستوى الأفراد، فبيني وبين بعض الكتّاب العرب علاقات جيدة تصل إلى صداقات خالصة. أساهم بانتظام في ملحق "مراجعات" الذي يشرف عليه الشاعر العماني هلال الحجري كما أساهم من حين إلى آخر في مجلة "نزوى" العمانية التي يترأس تحريرها الشاعر سيف الرحبي.


■ ماهي المزايا الأساسية للأدب العربي؟ ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
أولى مزاياه أنه يمثّل لغة رسمية في 22 بلداً من قارتي آسيا وأفريقيا، وهذا يعني أن بإمكانك أن تصل إلى أعماق بحر زاخر من تجارب الحياة الإنسانية وتأخذ منها لآلئ متنوعة لمّاعة وجميلة. ويمكنك أيضاً أن تصل من خلاله إلى نماذج الأشعار الكلاسيكية مثل المعلّقات السبع وأشكال روايات قديمة مثل ألف ليلة وليلة والمقامات.


بطاقة
باحث ومترجم هندي من مواليد عام 1947، تخرج من الكلية الإسلامية عام 1970، وعمل في مجلة Prabodhanam (الدعوة) الأسبوعية بين 1970و1987، ثم مترجماً في قطر حتى 2006، ليعود إلى بلاده محرِّراً، وهو حالياً رئيس التحرير في "دار النشر الإسلامي". من ترجماته عن العربية إلى اللغة الملايالامية: "نساء على أجنحة الحلم" (2014، الصورة) لـ فاطمة المرنيسي و"مختارات من الشعر العماني" جمعها هلال الحجري (2010)، "قصص االحيوان في القرآن" لـ أحمد بهجت (1989)، "حياة محمد" لـ محمد حسين هيكل (1984)، "مذكرات الدعوة والداعية" لـ حسن البنا (1974).

 
المساهمون