تقف هذه الزاوية مع مترجِمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- كان ذلك محض صدفة. طُلب منّي ذات يوم أن أترجم قصيدة "الحدّاد" لـ رامبو، لنشرها في مجلة "الطليعة" السورية الأسبوعية. ترجمتُ القصيدة. وعلى ما يبدو، لم تكن النتيجة شديدة السوء؛ إذ لم يعترض على الترجمة أحد كبار العارفين السوريّين بشعر رامبو، أقصد صدقي إسماعيل، الذي خصّص له أحد كتبه. هكذا بدأت العمل كاتباً وصحافياً حين عرض عليّ رئيس التحرير الانضمام إلى أسرة تحرير المجلة. وحين غادرت سورية لمتابعة الدراسات العليا في باريس، طلب منّي الدكتور سهيل إدريس أن أقوم بكتابة رسالة شهرية لمجلة "الآداب" عن النشاط الثقافي في فرنسا، ثم ما لبث أن طلب منّي إعداد وترجمة كتابٍ كان أنور عبد الملك يريد نشره لديه. وكان كتابُه الذي أعددته وترجمته، "الفكر العربي في معركة النهضة"، الصادر عن "دار الآداب" عام 1974، أولَ كتاب أترجمه.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- أنهيتُ قبل شهريْن ترجمة كتابٍ قضيتُ من أجل إنجازه سنة كاملة، وأعني به "الحرب المقدّسة، الاستشهاد والإرهاب - أشكال العنف المسيحية في الغرب" لـ فيليب بوك، أستاذ تاريخ القرون الوسطى في جامعة فيينا. ومن المنتظر أن يصدر الكتاب قريباً جدّاً عن "مركز حرمون للدراسات والنشر" و"دار ميسلون". لم أبدأ ترجمة كتاب آخر لأنني لا زلت أتابع إعداد الكتاب المشار إليه للطبع.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- من الممكن الإشارة إلى بعض أبرز العقبات التي تواجه المترجِم العربي وموضوع الترجمة نفسه مشروعاً وتخطيطاً وتنفيذاً: أوّلاً، مشكلة المصطلحات اللغوية التي لا تزال موضع اختلاف كبير بين مختلف البلدان العربية، وثانياً، غياب التخطيط بل وحتى التنسيق بين دور النشر العربية العاملة في حقل الترجمة، العامة منها والخاصة، من أجل عمل يستهدف التكامل بدلاً من الفوضى القائمة الآن، وثالثاً، غياب تقنين موحَّد لحقوق المترجم المادية والمعنوية في مختلف البلدان العربية.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- لا أدري إن كان هناك من يحرّر الترجمات لدى دور النشر العربية. ما أعرفه أن ثمّة من يقوم بالتدقيق اللغوي، وهو أمر طبيعي ومطلوب، من أجل تلافي الأخطاء المطبعية أو الهفوات النحوية. لكني أرفض بالطبع أي محاولة لتحرير الترجمة التي تعني إعادة كتابة نصّها الذي أرسلته للناشر، وذلك لسبب بسيط، هو أنني أقوم شخصياً بهذه المهمّة التي أخصّص لها ما يكفي من الوقت قبل إرسال المخطوط للنشر. يحدث أثناء التدقيق اللغوي أن تُطرَح عليَّ أسئلة خاصة بهذه الكلمة أو تلك. وقد لاحظت أن الأسئلة التي يطرحها عليَّ المدقّقون كانت تتناول غالباً أخطاء مطبعية شابت كتابة بعض الكلمات، مما أدى إلى تغيير معناها أو جعل الجملة الواردة فيها غامضة وغير مفهومة.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- تجمعني علاقة ممتازة مع معظم الناشرين الذين نشروا ترجماتي. سبق لي أن اقترحتُ كتباً بعد قيامي بترجمتها وقبلها الناشر، ككتاب "فن الرواية" لـ ميلان كونديرا، ثم كتابيه الآخرين حول الموضوع نفسه، وهي الكتب الثلاثة التي صدرت في القاهرة في مجلّد واحد عن "المجلس الأعلى للثقافة" تحت عنوان "ثلاثية حول الرواية"، أو كتاب جان بودريار حول "روح الإرهاب"، كما سبق أن كان الناشر هو من يقترح عليَّ عناوين بعض الكتب التي يرغب بنشرها مترجمة، فكنت أقرأها قبل الموافقة على ترجمتها.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- الاعتبارات السياسية موجودة بالطبع. كان يهمّني مثلاً أن أترجم مجموعة الكتيبات التي أصدرها جان بودريار إثر تفجيرات نيويورك في 11 أيلول/سبتمبر عام 2011، بل قمت بنشر أحدها في عدّة صحف ومجلّات عربية تصدر في القاهرة وبيروت ولندن مجاناً لرغبتي في أن يقرأها القارئ العربي الذي لا يعرف الفرنسية. لم يحدث لي أن ترجمت كتاباً أقف على النقيض من طروحاته السياسية. لكن ذلك محض صدفة. ولو حدث وكان هناك كتاب لا أتّفق مع طروحاته أو مع مواقف كاتبه السياسية ورأيت أن الكتاب ينطوي على أهمية معرفية هامة لما تردّدت في القيام بترجمته، وكنت بالطبع سأترجم الكتاب، ثمَّ أقوم بنقد طروحات مؤلّفه. لماذا أحرم القارئ العربي بسبب عدم إتقانه اللغة التي أترجم عنها من إمكانية قراءة كتاب يمكنني أن أقرأه بلغته الأصلية؟
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- ربطتني بمعظم الكتّاب الذين ترجمت لهم، حين كان ذلك ممكناً، صداقة جميلة وأحياناً عميقة على الصعيد الفكري: أنور عبد الملك، سوزان طه حسين، ميلان كونديرا، فيليب روجيه، نيللي آلار، آن سالمون، وأخيراً فيليب بوك، على سبيل المثال لا الحصر.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- علاقة بين عالمَين منفصلَين! فخلال اليوم الذي أترجم فيه، لا أكتب؛ وفي اليوم الذي أكتب فيه، لا أترجم. لكلّ عالم حاله ووضعه وقوانينه والاستعداد النفسي الضروري له. حين أترجم، أحاول أن أكون كاتب الكتاب كما لو كان هو نفسه يقوم بترجمته إلى العربية؛ وحين أكتب، أستعيد نفسي كلياً لاسيما وأن ما أريد كتابته ليس وليد اللحظة، بل يكون قد مرَّ بمراحل من التفكير والإعداد والاختمار قبل البدء بالكتابة الفعلية.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- من المؤكد أنها تُسعِدُ من يحصل عليها من المترجمين. لكن الجوائز في عالمنا العربي، أيّاً كان موضوعها، لا تزال تشكو من ضروب تنظيم تبتعد بها عن غاياتها التي يفترض بها تحقيقها. ألاحظ مثلاً أنها غالباً أسيرة مفاوضات بين أصحاب المصلحة على اختلافهم باستثناء مصلحة موضوع الجائزة بالذات!
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسّساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- بالتأكيد هي مشاريع أفراد، مترجمين وناشرين. أمّا المؤسّسات المختلفة (وعدد الفعّال منها لا يتجاوز ثلاث مؤسّسات في العالم العربي)، فهي تعاني من انعدام التنسيق في ما بينها على صعيد الخطط والتكامل، فضلاً عن أنها تعاني من نقص التمويل أو من اضطرابه، مما لا يتيح إمكان وضع خطط عمل مشتركة تأخذ على عاتقها تجاوز النقص الخطير الذي تعرفه المكتبة العربية اليوم، ولاسيما أمّهات الكتب في العلوم الإنسانية والاجتماعية، فضلاً عن العلوم الدقيقة.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟
- مبدأ أساس: احترام النص الأصلي ومحاولة نقله إلى القارئ العربي بأكبر قدر ممكن من الدقة لغوياً وثقافياً وجماليّاً.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- كل الكتب التي ترجمتها كانت إمّا من اقتراحي أو بعد موافقتي إذا كانت من اقتراح الناشر - بما أنني قرأتها ووافقتُ على ترجمتها -، وبالتالي، لم يحدث أن ندمت على كتاب ترجمته!
■ ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- أتمنّى للترجمة إلى اللغة العربية أن تشمل أخيراً كبرى المبدَعات الفكرية والأدبية في العالم شرقاً وغرباً، في ترجمات محكمة، وأن تعيش دور النشر على إيقاع العصر، فتنقل إلى القارئ العربي ما يتيح له أن يعيش عصره كأي قارئ في أوروبا أو في اليابان. أمّا حلمي كمترجم فهو أن أرى ترجمة عربية للأعمال الكاملة لأحد كبار روائيي القرن التاسع عشر: ستندال، وكذلك أن تُعاد ترجمة كافة روايات ميلان كونديرا (في ترجمة محكمة) إلى العربية كما نُشرت في الطبعة الفرنسية الأخيرة التي أشرف عليها بنفسه ضمن سلسلة "لابلياد"، كي يكتشف القارئ العربي عبقرية هذا الروائي المعاصر.
بطاقة
كاتب ومترجم وصحافي سوري، درس الحقوق والفلسفة في جامعة دمشق ثم حصل على دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة باريس عام 1981. ترجم قرابة ثلاثين كتاباً من الفرنسية في الأدب والفلسفة والاجتماع؛ من بينها: "ثلاثية حول الرواية" لـ ميلان كونديرا، و"الآخر مثلي" لـ جوزيه سراماغو، و"روح الإرهاب" لـ جان بودريار، و"لابد من قتل شاتوبريان" لـ دومينيك بوديس، و"معك" لسوزان طه حسين، و"لا مزاح مع الحب" لـ نيللي آلار.