يمزج الفنان الفلسطيني تيسير البطنيجي في أعماله بين مواد مختلفة، ويتخذ من التحرك وسؤال الإقامة والترحال موضوعاً أساسياً لمعظم أعماله، وهذا هو سؤال معرضه الجديد "من غزة إلى أميركا: بيت بعيد عن البيت" المقام حالياً ضمن تظاهرة "لقاءات آرل" الفرنسية، ويتواصل حتى 23 من أيلول/ سبتمبر المقبل.
المعرض هو نتاج عمل ومشاركة الفنان في برنامج "وكالة الصورة الفرنسية الأميركية"، الذي تنظمه مؤسستا "هيرميه" و"أبيرتشر"، ونتج عنه أيضاً كتاب بعنوان "بيت بعيد عن البيت" وضمّ صوراً ومختارات من أرشيف عائلته وأبناء عمومته المهاجرين من غزة إلى أميركا، ورسومات، وكتابات تستكشف معنى الانتقال من مكان إلى آخر، والمعاني المختلفة للوطن التي يختبرها الناس من خلال تجربة أقاربه في أميركا.
يقول البطنيجي إن "حالة المابين، ثقافية كانت أو جغرافية، هي قضية لطالما شغلتني منذ أن وصلت إلى فرنسا عام 1995. المنفى، والانتقال، والحركة ثيمات قادت أعمالي لعدة أعوام".
وفقاً لتقديم الكتاب فإن العمل "جرى تنفيذه أثناء زيارة الفنان إلى أقارب له في فلوريدا وكاليفورنيا، ومحاولته التواصل والتفاهم مع "أبناء عمومته الأميركيين" في حياتهم اليومية، والأشياء المحيطة بهم، والبيوت التي أسّسوها. النتيجة هي صور وبورتريهات ومقابلات وسكتشات من ذاكرة العائلة اليوم، وتلك المستقرّة في غزة. وهي صور تسائل معنى التاريخ المشترك، حتى بين الأقرباء الغرباء، وما يحدث لمعنى الماضي والانتماء عند امتلاك هويات وأوطان جديدة".
يقول البطنيجي "من خلال الصور، والفيديو والرسم، حاولت تعقب رحلة بعض أبناء عمومتي الذين هاجروا إلى أميركا في بدايات الستينيات، والتقاط تفاصيل انقطاعهم المكاني"، كما يبحث الفنان في نقاط الانقطاع والاندماج بين الهوية الجديدة والهوية الأم، والهوية الثالثة الناتجة عن اختلاط الاثنتين.
يضم "بيت بعيد عن البيت" أكثر من مئة عمل فني معظمهم من الصور الملونة التي تتضمن: بورتريهات، ومناظر طبيعية، ومشاهد من الحياة اليومية التي جرى التقاطها على ما يبدو أنه صدفة.
عن تجربة البطنيجي هذه تقول الناقدة الأميركية كالين ويلسون غولدي "إنها تجربة كثيفة وواسعة"، وتضيف: "قام الفنان المولود في غزة والمقيم حالياً في باريس بابتكار العديد من المنحوتات والتجهيزات البسيطة -كلها أعمال ذكية ومفاهيمية، بمرجعيات مشحونة بالعاطفة ولها علاقة بتاريخ الفن والشرط الفلسطيني- ويكاد المرء أن ينسى بسهولة أن أساس كل عمل البطنيجي هو التصوير".
يلتقط البطنيجي، وفقاً لغولدي، صوراً لأشياء محملة بالمعاني، مثل إبريق وفنجان الشاي في منزل أحمد البطنيجي في غرب بالم بيتش في فلوريدا، أو سترة معلّقة على كرسي غرفة الطعام في بيت صبحي وخضرة البطنيجي في لاغونا نيجال في كاليفورنيا. وقد جرى ترتيب الصور في مجموعات، يكملها الفنان بمقاطع الفيديو ورسومات، وتخطيط لشجرة العائلة المعقدة والتي تغطي جداراً كاملاً.
البطنيجي الذي نشأ في غزة الممزقة بين انفتاح البحر وحصار الاحتلال المستعصي والحدود المغلقة، ترك غزة متجهاً إلى إيطاليا التي مكث فيها عاماً قبل أن يغادرها إلى فرنسا، وهو وفقاً للناقدة "يتعامل في جميع أعماله، بطريقة أو بأخرى، مع المنفى. لكنه حتى الآن متشبث بالحزن المتوسطي، مثقل برمزية المفاتيح، والخرائط".
تلفت الناقدة إلى تلك الفوضى التي يبعثر بها البطنيجي تلك اليقينية التي تتعلق بالهوية الفلسطينية، حين يزور أرض أبناء عمومته الأميركيين، وفي فيديو بعنوان "عربي أسود" تظهر ابنة عمه الشابة صفاء لتتحدث عن غضبها على العنصرية في البلاد العربية والصراع الطبقي في أميركا.
يذكر أن الفنان كان قد بدأ رساماً، درس في جامعة النجاح في نابلس واستمر في الرسم بمعناه التقليدي إلى أن انتقل إلى الدراسة في "بورج" الفرنسية لاستكمال تجربته الفنية، هناك اقترب البطنيجي أكثر فأكثر من العمل على الفيديو والفوتوغرافيا وفن التنصيب بوصفهما أدوات تسهل اقترابه من الواقع والاشتغال على الثيمات الصعبة التي يختارها والتي عادة ما تتعلق بالمنفى والهوية والاغتراب، وتحوّلات الفرد خلال ذلك.