في ورقلة، جنوب الجزائر، تظاهَر مواطنون قُبَيل ساعاتٍ من تنظيم حفلٍ موسيقي في مدينتهم، ضمن تظاهرة فنّية تُنظّمها وزارة الثقافة تحت شعار "لنَفرح جزائرياً".
للوهلة الأولى، قد يبدو هذا الفعل الاحتجاجي بمثابة سلوك مُعادٍ للفنّ والثقافة، بما هما وسيلةٌ للترفيه والفرح، كما تفهمهما المؤسّسة الرسمية، خصوصاً أن المحتجّين أقاموا صلاةً جماعيةً في الشارع، ما أثار حساسية أصواتٍ كثيرة عبّرت عن تخوّفها من الأمر.
لكن، سرعان ما يتبيَّن غيرُ ذلك، حين ننظر في الظروف المُحيطة بالتظاهرة. خلال موجة الحرّ التي تضرب الجزائر في الآونة الأخيرة، تجاوَزت معدّلات الحرارة في ورقلة واحداً وخمسين درجةً مئوية، ما فاقَم مشاكل قديمةً أقلّها: انقطاعات الكهرباء والإنترنت، وغياب منشئاتٍ صحيّة يدفع بمواطني المنطقة إلى قطع آلاف الأميال للعلاج في مدن الشمال، وتدهور شبكات الصرف الصحّي، وأزمتا البطالة والسكن.
ينسحب هذا الوضع على بقيّة مدن الصحراء الجزائرية التي وُضعت على هامش التنمية؛ كمدينة بشّار التي استقبَل مواطنوها التظاهرة الفنيّة باحتجاجٍ مماثل.
هكذا، سيبدو الحراك، الذي بات يطبع الجنوب الجزائري، خصوصاً منذ احتجاجات 2014 ضدّ مشاريع التنقيب عن الغاز الصخري، شكلاً من أشكال مقاومة، ليس التهميش فحسب، بل توظيف الفنّ كوسيلةٍ لإلهاء المواطنين عن انشغالاتهم الأكثر إلحاحاً.
يتأكّد ذلك من مطالب المحتجّين التي لم تقتصر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل تعدّتها إلى المطالبة بإنجاز مشاريع ثقافية حقيقية، ووضعٍ حدّ لما يُسمّونه "الفساد المستشري" في قطاع الثقافة، والاهتمام بمبدعي المنطقة التي لا يُمكن لها أن "تفرح جزائرياً"، في غياب أبسط شروط العيش الكريم.