لرواية "الحرس الأبيض" للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف (1891 - 1940) وضعٌ خاص في الثقافة العربية؛ فهي تحظى ببعض الشهرة بسبب اطلّاع مثقّفين عرب عليها في لغات أخرى، وأيضاً لموقعها في الأدب العالمي. غير أنها ظلّت غير مقروءة بلغة الضاد.
المفارقة أن سنة 2018 حملت ثلاث ترجمات للرواية بعد قرابة قرنٍ على صدورها: الأولى أنجزها عبد الله حبه وصدرت عن "المركز القومي للترجمة"، والثانية وضعها شريف ناصر ونشرتها "الهيئة العامة السورية للكتاب". ومنذ أيام، صدرت ترجمة ثالثة لنبيل يوسف عن "دار الخان".
إن كان الأمر محض صدفة غريبة، فإنها تُثير أكثر من سؤال. "العربي الجديد" سألت نبيل يوسف (1987) الذي نقلها عن الروسية مباشرة عن حيثيات هذه الترجمة، فقال: "تم الاتفاق مع دار النشر في الكويت على الترجمة عن الروسية مباشرة، لأن الرواية واحدةٌ من أهمّ الأعمال الروسية التي لم تكن قد تُرجمت بعد وقتَ الاتفاق". لكن محدّثنا لا يجد تفسيراً لتوالي الترجمات في فترةٍ واحدة.
في المقابل، يُفسّر يوسف تأخّر ترجمة الرواية إلى العربية ببنيتها السردية واللغوية؛ إذ "ضمّت تقنيات أدبية مختلفة، فقد استخدم بولغاكوف أسلوبه الساخر والمروّع في الآن ذاته، وتضمّن السرد مراوحات بين الوصف الخارجي والداخلي. ومثل هذا الوصف يحتاج إلى قاموس لغوي واسع جداً لتذوّقه بالعربية كما بالروسية، دون أن نُهمل استخدام المؤلّف تعبيرات أوكرانية الأصل يصعب فهمها في ترجمة حرفية. أعتقد أن هذا المزيج السردي الذي يهتم بأصغر التفاصيل البصرية، وفي الوقت نفسه يختلط بالسخرية والرعب هو الذي أخّر ترجمة الرواية".
وعن حضور "الحرس الأبيض"، وبولغاكوف بشكلٍ عام، في الثقافة العربية، يقول المترجم المصري: "اشتهر بولغاكوف عند القرّاء العرب بعمل آخر هو "المعلّم ومارغريتا". ورغم أهمية هذه الرواية، إلا أن الحرس الأبيض هي الأشهر، وهي العمل الذي حقّق له شهرة في روسيا". يتابع: "حضور بولغاكوف في الثقافة العربية لا يزال مقتصراً على دائرة القرّاء المحترفين -إن جاز التعبير-؛ فالقارئ العادي لا يعرف من الأدب الروسي سوى بعض أعلام عصره الذهبي مثل: غوغول ودوستويفسكي وتولستوي وتشيخوف".
تُثير مسألة صدور أكثر من ترجمةٍ عربية لعمل واحد أسئلة حول الفائدة من إعادة ترجمة النصّ نفسه، في حين أن نصوصاً أخرى لا تقلّ أهمية لا تزال غائبة عن العربية. يرى يوسف أن تعدّد الترجمات ليس أمراً سلبياً، خصوصاً حين نتحدّث عن أعمال أساسية في الأدب العالمي، وهي "أعمال تُقرأ لمئات الأعوام؛ بحيث أن ترجمتَين تفصلهما سنوات طويلة ستكونان مختلفتين، بل إن العودة إلى ترجمة الكلاسيكيات المُنجَزة بشكل سيئ تعدّ واجباً على المترجمين الحاليّين".
يشير يوسف إلى مسألة هامّة، تتجلّى مع بولغاكوف بشكل خاص، إذ أن ترجمة أعمال كاتب دون أخرى تصنع حالة تقبّل مختلفة عن صورته لو وصل كاملاً إلى الثقافة العربية. يضرب هنا مثال تولستوي الذي تُرجمت أعماله الأدبية فيما لم تصل أعماله الفكرية بعد إلى العربية.
يضرب، هنا، مثال تولستوي الذي تُرجمت أعماله الأدبية، فيما لم تصل أعماله الفكرية بعد، مضيفاً أن قراءة نصّ لروائي تختلف عن قراءته ونحن نعلم أن الكاتب روائي ومفكّر.
يُضيف بأن هذا الوضع حفّزه على الشروع في نقل مقاطع من أعمال فكرية ومقالات وخطابات لتولستوي، صدرت في كتاب بعنوان "في الدين والعقل والفلسفة"، وهناك عمل ثان تحت الطبع سيظهر بترجمته بعنوان "طريق الحياة".
من جانب آخر، يُشير يوسف إلى حاجة العالم العربي إلى الأعمال المعاصرة أيضاً من الأدب الروسي. لكن العملية، برأيه، تتطلّب مترجمين متمكّنين، وتمييزاً بين الغثّ من السمين في الأدب الروسي، داعياً إلى التخلّي عن الصورة الجاهزة عن الثقافة الروسية التي يقول إنها تختلف اليوم عن ثقافة القرن التاسع عشر أو العشرين، من حيث اللغة والتقنية وطبيعة الموضوعات.