ينطلق عرض "أولاد جلابة" الأدائي الذي يقدمه الكوريوغرافي والراقص التونسي رشدي بلقاسمي عند السادسة من مساء الأربعاء المقبل في جامعة لوبانا في مدينة لونيبورغ الألمانية، حيث تقوم فكرة العمل على رقص يجمع التراثي بالمعاصر، ويستعاد من خلاله شخصية رجل متنكّر في ملابس امرأة كان يؤدي عروضه في العشرينيات من القرن الماضي، وهو بمثابة بوابة لإعادة اكتشاف المجتمع التونسي في تلك الحقبة من التاريخ.
لا يخلو خطاب العرض من جانب كبير من الجرأة، حيث يقدم الراقص عصارة بحث أنثروبولوجي وتاريخي حول الرقص في تونس من خلال شخصية ولد جلابة الذي كان يمتهن الرقص ويقوم بفعل احتفالي ترفيهي وفني يمارس من خلاله رقص المرأة التي لم تكن تظهر في الفضاء العام، ففي حين كانت تونس تعيش في فترة صعبة سياسياً واقتصادياً بين الحربين العالميتين، لم يمنع ذلك من وجود الاحتفال والفن من خلال شخصية ولد جلابة، الذي يمثل هو ومن شابهه جزءاً من التاريخ الشعبي الموازي، وهو تاريخ له أيضاً أيقوناته المهمشة.
يعود الفنان إلى الرقصات التي كانت تقدم للجمهور في صالة الفتح بباب سويقة التي كانت تقدم الـ"كافيشانطا" وهي عروض تجمع بين الغناء والرقص والفكاهة. ارتبطت هذه الظاهرة التي كانت برجوازية في الذاكرة التونسية بنجوم الفن في تلك الحقبة وكان يقدم فيها راقصون رجال قبل ظهور الراقصات النساء.
يجمع بلقاسمي في العمل ذاكرة بدايات الرقص في تونس وأشهر الراقصين والراقصات وعلى رأسهم زهرة لمبوبة وحمادي اللغبابي وزينة وعزيزة، لكنه وبالدرجة الأولى يقارن بين المجتمع التونسي وموقفه من رقص الرجال في ذلك الوقت وبين الموقف اليوم.
يرى بلقاسمي أنه لا يمكن الحديث عن الرقص المعاصر من دون العودة إلى الرقص الشعبي، وأن مشكلة الراقصين المعاصرين في تونس اليوم قطيعتهم مع الشعبي والتراثي، وكأن هناك نظرة دونية له.
لطالما دافع بلقاسمي عن قضايا المرأة وحرية الجسد في عروضه، لكنه وبشكل خاص يلتفت إلى حق الرجل الفنان والمبدع والمختلف في الرقص والتعبير بحرية عن جسده ذاته، فهو في ذلك لا تقل معاناته كثيراً في المجتمعات العربية عن المرأة.
في هذا السياق، نجده يلتفت إلى ألم الكادحين مثلاً من خلال عرض "زوفري" (2013) وفيه يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين نشأ "الربوخ"، وهي رقصة شعبيّة، كان يؤدّيها عمال كادحون يعملون في الموانئ والحانات وغيرها من الأماكن.