بالكريشنا دوشي..يوتوبيا المعماري الهندي

09 مارس 2018
بالكريشنا دوشي
+ الخط -

ينتمي المعماري الهندي بالكريشنا دوشي (1927) إلى مدرسة الحداثة المعمارية، غير أنه كان معنياً بشكل خاص ببناء المساكن منخفضة الكلفة، وفي هذا كان رائداً ليس في الهند فقط بل وعلى مستوى العالم.

عن ذلك وغيره من التصوّرات المعمارية التي حوّلها إلى حقيقة على أرض الواقع حاز جائزة الـ "بريتزكر" التي تعادل في قيمتها المعنوية بالنسبة إلى العمارة جائزة نوبل العالمية في حقول أخرى، وبهذا ينضم اسم دوشي إلى قائمة أهم المعماريين في العالم الذين حصلوا على "بريتزكر" ومن بينهم أوسكار نيماير (1907-2012) وزها حديد (1950-2016).

يعتبر دوشي أكثر المعماريين تأثيراً على العمارة في هند ما بعد الاستقلال، دمج المبادئ الحداثية بفهمه العميق للتقاليد المحلية الدارجة، ولم يفكر يوماً بتقديم عمارة زخرفية ولافتة للنظر بتصاميم مستقبلية الطابع أو غرائبية أو فنية مثل نظيرته حديد، بقدر ما اكترث أن "يجسّد المعمار حساً عميقاً بالمسؤولية ورغبة في المساهمة بعمارة أصيلة وبجودة عالية تخدم الهند وناسها" وفق ما وصف بيان الجائزة عمل دوشي.

ولد المعماري الهندي لعائلة تعمل في بيع الأثاث، في مدينة بوني الواقعة غرب الهند، والتي غادرها إلى مومبي لدراسة العمارة، ثم سافر إلى باريس عام 1951 بهدف العمل مع تشارلز لو كوربوزييه (1887-1965) على وضع تخطيطات مشروه مدينة شانديغراه.مدرسة سانغاث من تصميم دوشي

مشروع المدينة هذا كان بتكليف من رئيس الوزراء الهندي آنذاك جواهر آل نهرو، الذي طلب العمل على تصميم مدينة حديثة شريطة أن تكسر العلاقة مع ماضي الهند كبلاد عاشت في ظل الكولونيالية البريطانية، وقد سافر دوشي ليحافظ على الروح ووجهة النظر الهندية في تخطيطات لو كوربوزييه.

بعد عودته إلى مومبي، اشتغل دوشي مع المعماري الأميركي لويس كان (1901-1974) في تصميم "المعهد الهندي للإدارة" في بنغالور بحيث يكون منشجماً مع البيئة المحلية والمناخ فيها، فاقترح دوشي أن يجري تصميمه على طريقة المتاهة التي كانت تطبق في المعابد الهندوسية القديمة.نصب طاغور التذكاري

من تجارب العمل مع لوكوربوزييه وكان، أخذ دوشي مساراً مختلفاً حرص فيه على تجنب الفجوات الفراغية التي طبقها المعماري السويسري في شانديغراه، وصمّم أنماطاً بنائية كثيفة تربطها شوارع ضيقة متشابكة قريبة من الصيغة التقليدية للأحياء في البلدات الهندية، إنما أكثر حداثة وراحة.

لطالما ركّز المعماري على العناصر المستمرة في ثقافة المعمار الهندية، من بازارات، وساحات القرية الرئيسية، وباحة المنزل الخلفية. عن ذلك يقول في إحدى مقابلاته "على المعماري أن يعكس نمط الحياة الاجتماعي والتقاليد الروحية للمكان الذي ينتمي إليه".

أرنايا للمساكن منخفضة التكلفة

برز جهد دوشي الفعلي في العمارة في الثمانينيات حين صمم مشروع "أرنايا للمساكن منخفضة الكلفة"، والذي تمكن من وضع سقف فوق رأس 80 ألف إنسان، في بيوت جميلة وقليلة الكلفة لها باحات صغيرة ومتصلة مع بعضها بممرات تشبه المتاهة، ومن ميزات هذا المشروع الأساسية أنه مكّن أكثر الطبقات فقراً من العيش في بيوت مناسبة ومتكاملة ومستقلة، وأنه وضع نموجاً يمكن أن يحتذى ويتكرر، ما يذكرنا بمشروع المعماري المصري حسن فتحي (1900-1989) الذي تحوّل من تلبية لحاجة الفقراء الماسة في بيوت تليق بالعيش، إلى مشاريع للقرى السياحية عبر استغلال المقاولين وأصحاب رؤوس الأموال للكلفة القليلة للبناء في بناء مجمعات سياحية تدر دخولاً كبيرة للمتنفذين في عالم العقار والمقاولات والسياحة.

في عام 1986 وضع دوشي خطة لبناء مدينة فيدهيدر ناغار، التي تصلح لإقامة 350 ألف شخص، وتقع بالقرب من مدينة جيبور القديمة، وتجمع مميزات العمارة الهندوسية القديمة بالحداثة كما يفهمها، حيث بنيت المدينة على تصوّر تسعة مربعات من رسومات وتخطيطات الـ "مندالا"، مراعياً الانتقال من المساحة الخاصة إلى العامة، والاستفادة من قوة الريح والطاقة الشمسية، ومفرداً مساحات للزراعة وتخزين الماء.

المساهمون