عبد اللطيف الراوي.. الخروج من طي النسيان

19 مارس 2018
علاء بشير/ العراق
+ الخط -
التباسات كثيرة ستدخل فيها وأنت تبحث عن إصدارات الباحث العراقي عبد اللطيف الراوي (1940-1994)، محرّك البحث لا يوفّر الكثير من مصادر المعلومات عنه، لكنك ستعثر على مقال للأكاديمي عدنان الظاهر، يتحدّث فيه عن سيرة الراوي بطريقة فريدة من نوعها، من خلال مراسلات رسمية ووثائق لها علاقة بحياته الشخصية والمهنية، ومن خلال صداقتهما المباشرة.

بعد نسيان طويل، يتردّد اسم الراوي هذه الأيام، نظراً لنية دار "سطور" طباعة مخطوط له، وهو رسالة الدكتوراه التي وضعها حول "الفكر الاشتراكي في الأدب العراقي من 1918 حتى 1958"، ويروي كاتب المقدّمة الباحث سعدون هليل عدّة أسباب أدّت إلى تأخّر نشر هذا الكتاب لأكثر من أربعة عقود.

يقول هليل في حديث إلى "العربي الجديد" إنه حضر بنفسه مناقشة الأطروحة عام 1976، والتي استغرقت أكثر من 12 ساعة، ولدى سؤاله عن سبب إهمال نشرها وتجاهلها طيلة هذه السنوات يقول: "كان الوعي المسيطر في تلك المرحلة هو وعي حزب البعث، وفي المناقشة ظهر الراوي بحقيبة مملوءة بالوثائق حول اليسار العراقي، وعند كل محاججة يخرج وثيقة يواجه بها اللجنة، لقد ظهر أكثر نضجاً ووعياً من مقيّميه ومناقشيه وكان هذا أحد أسباب تجاهل الأطروحة".

يلفت هليل إلى أنه عثر على الأطروحة بعد سقوط نظام البعث في سوق المتنبي، فاشتراها وأرسل بها إلى وزير الثقافة مفيد الجزائري الذي وعد بنشرها، لكنه غادر الوزارة قبل أن يفعل، ويكمل هليل إنه عاد وعرضها على حيدر سعيد وكامل شياع في الوزارة تالياً، فتحمّسا لنشرها لكن شياع زار هليل واعتذر عن نشرها لاحقاً، وحالياً تنوي "سطور" إصدارها قريباً.

حول أهمية هذه الأطروحة اليوم، يبين هليل "إنها في رأيي من أهم الوثائق عن الأدب والثقافة الوطنية واليسار في تلك المرحلة، واليوم هي من أهم مصادر من يدرس تاريخ الأدب في العراق".

عبد اللطيف الراويالكتاب يعود إلى أعمال مجموعة كبيرة من الكتاب والصحافيين والروائيين والشعراء والباحثين في علم الاجتماع؛ ومن بينهم الكاتب والصحافي محمود أحمد السيد (1903-1937)، وذنون أيوب (1908-1988)، وعبد الحق فاضل (1911-1992)، وعالم الاجتماع عبد الفتاح ابراهيم (1904-2003).

من جهة أخرى، وقفت دراسة الراوي عند الصحف العمالية ومنها صحيفة "العامل"، فوفقاً للأكاديمي إبراهيم العلاف الذي أجرى مقابلة مع الرواي عام 1975، وكان الراحل يشتغل آنذاك على هذه الأطروحة، فإن الراوي تناول موقف السلطة من هذه الصحف: "أوائل الثلاثينات كانت الحركة العمالية في تنامٍ مستمر وقد حققت أكثر من انتصار في الإضرابات العمالية وفي إنشاء النقابات وتوحيد صفوف العمال، غير أن هذه الحركة كانت تعمل في ظروف صعبة وعراقيل وضعتها السلطة الحاكمة إبان العهد الملكي 1921-1958. كان موقف السلطة من الصحافة آنذاك موقفاً مناهضاً توسّل بمختلف السبل من أجل خنق تلك الصحف وإيقافها عند أعدادها الأولى".

يصف العلاف في حديث إلى "العربي الجديد" دراسة الراوي هذه بأنها "أرصن الأطروحات التي نوقشت في العراق، كان شيوعياً وناقشها في زمن حزب البعث، وقد ناقشها الدكتور إلياس فرح المفكر البعثي المعروف وعندما نوقشت أحدثت ضجة كبيرة، وقد نشر بعض مباحثها في مجلة "الثقافة الجديدة"، وكتب عن بدايات الفكر الاشتراكي في العراق".

للراوي دراسة تحمل عنوان "المجتمع العراقي في شعر القرن الرابع للهجرة"، ويبدو أن المؤلّف كانت لديه وجهة نظر بعينها وهي إمكانية دراسة تاريخ العراق من خلال الأدب، فإن كان قد قدّم صورة للمجتمع العراقي في فترة محدّدة مستنداً إلى الشعر، فإنه حاول دراسة الوعي السياسي وانعكاسه في الأدب العراقي باعتبار أن الأدب أحد مصادر فهم الحقبة السياسية والاجتماعية. وهذا ما يؤكده الأكاديمي فيصل السامرائي في مقدمة هذه الرسالة.

كتب الراوي قصصاً قصيرة في دمشق لكنّه لم ينشر منها شيئاً وفقاً لما يقول صديقه الظاهر، لكنه كتب مجموعة في بغداد بعنوان "ليل بلا عيون" صدرت عام 1967، وله عدّة قصص متفرقة لم تنشر من بينها "الموت على الطريقة الموسولينية"، و"الكراسي"، و"الجنّي"، و"الحرب"، و"الخروج من القشرة"، و"تهويمات مسحوقة".

كما أن له عدّة دراسات منها؛ "عصبة مكافحة الصهيونية في العراق 1945-1946 اليسار العراقي والمسألة الفلسطينية" (1986)، و"في النثر العربي الحديث" (1992)، و"النقد العربي القديم" (1991)، و"مبادئ النقد" (1992)، و"تراث الحلّاج" (صدر بعد وفاته عام 1995)، ورسالة في صناعة الكتابة، كما حقّق كتاب "بداية حال الحلّاج ونهايته لابن باكويه بالإشتراك مع المحقّق عبد الإله نبهان.

أقام الراحل بين عدة بلدان عربية منذ أن خرج من العراق في خريف 1977 للتدريس في جامعة وهران في الجزائر، ثم مرّ من بيروت فترة بسيطة وانتقل إلى سورية وفيها توفي إثر حادث سيارة عام 1994.

المساهمون