فن ترانزيت: أحياء شعبية على هامش الغابة

14 يونيو 2017
من مخطوط لـ كليلة ودمنة
+ الخط -

على مدار الإثني عشر يوماً الأخيرة من رمضان، يجوب مشروع "فن ترانزيت" (مؤسسة محطات للفن المعاصر) خمس محافظات مصرية في جولة فنية بعنوان "ليالي الحكي"، تُقدّم نسخة معاصرة من "كليلة ودمنة".

بدأت أولى الجولات في منطقة "عزبة خير الله" في القاهرة، التي تقع في تلة مرتفعة يتطلب الوصول إليها ركوب سيارة أجرة متهالكة، تسير في طريق شديد الانحدار والخطورة وغير ممهد.

في بداية الطريق توجد رسمة غرافيتي كبيرة لسلسلة نساءٍ يرتدين عباءات سوداء، كُتب بجوارها حديثٌ نبوي يحض على حسن معاملة النساء. وثمة ساحة واسعة بجوار سور "جبخانة محمد علي"، تطلّ النساء من شرفات المنازل الصغيرة المحيطة بالساحة، فيما يتدافع الأطفال للوقوف في الصفوف الأولى من أجل مشاهدة العرض، الذي يقدّمه كلٌّ من الحكواتي أحمد شكري وعازفة الكمان نجلاء يونس.

في محاولة لإيقاف تدافع الأطفال وصياحهم، بدأت يونس في عزف أغنية بديع خيري وسيد درويش الشهيرة؛ "الحلوة دي طلعت تعجن في البدرية. والديك بيدن كوكو في الفجرية، يلا بنا على باب الله يا صنايعية"، وبعدها يبدأ شكري في حكي حدوتة الأسد مع كليلة ودمنة.

الحكاية التي تدور أحداثها في الغابة بين مجموعة من الحيوانات، قدّم القاص السوداني المقيم في مصر حسام هلالي معالجة معاصرة لها، للتأكيد على مجموعة من القيم والإرشادات العامة بصورة مبسطة، من أبرزها الصداقة والعدالة والوفاء ومنظومة القانون.

ورغم المجهود الكبير المبذول في الإعداد للعرض، إلا أنه كان بعيداً عن عالم الأطفال وحياتهم، فهم لا يعرفون كليلة ودمنة ولم يشاهدوا غابة في حياتهم، ولا حتى سمعوا أغاني سيد درويش، وواقعهم محاصر بالورش التي يعملون فيها طوال اليوم، وظروفهم الاقتصادية الصعبة، فعزبة خير الله من أفقر وأكثر أحياء القاهرة تهميشاً.

لذلك عندما سُمح للأطفال بالمشاركة والتعبير بشكل حر، انطلقوا في غناء واحدة من أغاني المهرجانات الشعبية التي تصنع وعيهم وتقول بعض كلماتها "زُقه زَقه، وأطلع أجري، هوه توكتوك وشه فقري، دبرياج ع البلاج، دلكوها في المساج، راكبه مزه بالعبايه، بتلاغيني في المرايه، غمزتلها غمزتلي، في حته مقطوعه دوست فرامل".

الأغنية التي بدت كلماتها صادمة وتحمل إيحاءات جنسية وألفاظاً خارجة، تعكس مدى الهوة الشاسعة بين عالم العرض وحياة الأطفال وتطرح أسئلة مهمة، حول دور الثقافة في المجتمع وانعزالها عن الواقع، والاكتفاء بطرح رؤية فوقية وكلاسيكية للفن والثقافة.

الطريقة التي قُدّم من خلالها العرض تفتح الباب لطرح سؤال مهم، يتعلق برؤيتنا وفهمنا في عالمنا العربي لفنون الشارع، ففي ظل وجود معدّات صوت وإضاءة وديكور، ظهر العرض في صورة تنتمي لعالم المسرح التقليدي أكثر مما تنتمي لمسرح الشارع القائم بالأساس على تطوير وإنتاج أدوات فنية من الشارع، بالإضافة لكون الحضور الكثيف للأسلاك الكهربائية التي تطلبتها هذه المعدات كان يمكن أن يؤدي لكارثة مع حركة الأطفال وتدافعهم المستمر.

دلالات
المساهمون