منذ أكثر من قرنين، وفي بريطانيا تحديداً صدرت قوانين حقوق المؤلّف ثم تبعتها في الولايات المتحدة سلسلة تشريعات لتوثّق حقوق المؤسسات التجارية في استثمارها للاختراعات والإصدارات الموسيقية والفنية والأدبية وغيرها.
ورغم تشديد الضوابط القانونية والغرامات المالية للمخالفين وانصمام معظم بلدان العالم إلى اتفاقية المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) الناظمة لهذه الحقوق، وازدياد الدعاوى والأحكام القضائية التي تفصل في النزاعات المتعلّقة بحقوق الملكية، إلا أن حركة الاحتجاج عليها والمشكّكين بجدواها ومن هي الفئة المستفيدة منها لم تتوقّف أيضاً، خصوصاً في الغرب.
ربما لا يعلم كثيرون أن بضعة ناشرين في العالم يحتكرون بيع معظم الأبحاث العلمية، ويضطر طلاب الجامعات أن يدفعوا ثمناً مقابل حصولهم على محتوى نشره زملاء لهم ما لم يلتحقوا بأكاديميات محدّدة في العالم توفر هذه البحوث لطلبتها مجاناً.
لا تشترك أغلب الجامعات العربية في قواعد البيانات التي تتضمّن أحدث أطروحات الدكتوراه والدراسات الدولية، كما أنها تمارس الفعل نفسه حين تحتكر ما تنتجه - على قلّته - فلا يُسمح لغير طلبتها أو لباحثين أو مهتمين بالاطلاع عليها.
الأمر يتعدّى ذلك في بعض البلدان العربية من خلال ترخيص شركات تجمع قرارات المحاكم لتصبح جهة حصرية تقدّم خدماتها مدفوعة للمحامين، أو تحفظ مشاريع ومخططات هندسية لتقدّمها بنفس الطريقة لأصحاب الاختصاص، وينطبق الحال على قطاعات أخرى.
مع تغليظ العقوبات وتعديل التشريعات في دول العالم الثالث بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية، تحضر تساؤلات ملحّة حول عدم السماح للشركات المحلية بإنتاج سلع لا براءة اختراع لها، إذ تُمنع تلك البلدان الفقيرة من تصنيع دواء، مثلاً، لأن تركيبته هي ملكية خاصة لإحدى الشركات العالمية الكبرى، وعليه فإن التنمية في الجنوب ستخضع بإكراه القوانين والمعاهدات لاشتراطات ومعوقات تفضي إلى مزيد من تراكم الثروات بيد احتكارات بعينها.
مسائل عديدة شائكة توازيها طروحات بتغيير جوهر فكرة الملكية الفكرية وسياسات وهيكلة منظمتها الدولية أيضاً، التي يبدو أنها لا تمارس سوى الضغوط من أجل الالتزام بقراراتها بغض عن النظر عن ازدياد التهميش المعرفي والاقتصادي والسياسي المترتّب عليها.