يُخبرنا معرض "المجموعة الفوتوغرافية لقصر يلدز" منذ البداية أن الصور السبعين التي يقدّمها مختارةٌ من بين 36585 صورة التقطت بطلب من السلطان عبد الحميد الثاني (1942 - 1918، حكم بين 1879 و1909)، وأن هذا العدد الضخم قد جُمع على أساس رغبة منه أن تكون إمبراطوريته مرئية أمامه.
كان النصف الثاني لـالقرن التاسع الذي يقابل جزءاً كبيراً من ولايته، عصر الصورة الفوتوغرافية بامتياز. إنها الآلة الجديدة التي "تُنتج" الحداثة وتحيطها بسحر آخر. حيال ذلك، وضمن نزعة تحديثية تعرفها الدولة العثمانية، في ما يعرف بعصر التنظيمات، طلب السلطان استدعاء مصوّرين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا كي ينقلوا إليه مشاهد من الأراضي الشاسعة التي يحكمها.
المجموعة المختارة، وأيضاً المجموعة الكاملة، تذهب أبعد من تغطية مناطق نفوذ الدولة العثمانية في أواخر عهدها، حيث نجد صوراً كثيرة لمدن خارج حكم عبد الحميد، منها صور لباريس وليون ومرسيليا، وهي من الصور التي يركّز عليها المعرض الذي أقيم مؤخراً في قاعة "ميانفيل" في مدينة نانسي (شمال شرق فرنسا). إنها مجموعة الصور التي تتقارب مع الزائر المتوقّع للمعرض، ولكنه سيرى أيضاً صوراً أخرى من الحجاز ومصر وأرمينيا وغيرها من البلاد، بعضها مرفق بلمحات تاريخية وحكايات عن سياقاتها.
ولكن التقارب بين الصور المعروضة والزائر أبعد من ذلك، فجميعها لقطات مأخوذة بعين أوروبية. ولهذه العلاقة بين الأوروبي والعالم الشرقي طبقات متعدّدة، منها أن جميع الدول الأوروبية الكبرى كانت في ذلك الزمن تستعد لموت من سمته "الرجل المريض"؛ الكلمة التي كانت القوى الأوروبية تصِف بها السلطنة العثمانية في أدبياتها الدبلوماسية وقتها.
هذه البلدان، من بريطانيا إلى روسيا، مروراً بفرنسا والإمبراطورية النمساوية المجرية وألمانيا المتحدة حديثاً، كانت لها مصالح داخل الفضاء العثماني (تقريباً كما يحدث اليوم في نفس المنطقة الجغرافية مع تغيير التسميات)، وهي لا تتوانى في الضغط عليها وإنهاكها من خلال المناوشات العسكرية والديون وإثارة النزعات الانفصالية.
هل كانت صدفة أن نفس تلك المناطق التي ذهب المصوّرون إليها قد أصبحت لاحقاً تطالب بالاستقلال. لم يذهب هؤلاء المصوّرون بآلاتهم فحسب، بل ذهبت معهم أفكار الوعي القومي التي تغلي في أوروبا، وتستعملها الدول ضدّ بعضها بعض، وهي أفكار منذ أن وُضعت لها سكك أخذت طريقها مباشرة صوب تدمير عرش عبد الحميد وأسرته.
ما تحكيه هذه الصور بعيداً عن مضمونها المرئي، هي قصص الحاجة إلى الأجنبي؛ هي عِبرة السلطان الذي لا يجد لتحقيق رغبته إلا أوروبيين تبحث دولهم عن سبل تخترق بها جسد السلطنة. باختصار، ما يسرده المعرض هو حكاية ناعمة لنهاية الدولة العثمانية، وبقية الحكاية دمويةٌ قُتل فيها من قتل من السلاطين في صراعات القصر ودسائسه، وفي الأثناء خُلع عبد الحميد عن عرشه في 1909 ثم مات تحت الإقامة الجبرية، وفي 1922 جرت تصفية الإمبراطورية.