كليشيهات ثابتة تتكرّر كلّ عام، بل إن "اليونسكو" خصّصت السادس عشر من تشرين الثاني يوماً للتسامح، حيث يتمّ الربط بين المناسبتين باعتبار أن دوافع إعلانهما وغاياتهما متقاربة، إلا أن المعطيات تشير إلى عزلة المحتفلين بهما في جميع أنحاء العالم مع تصاعد موجات العنصرية والتطرّف والعنف.
تبدو الحال العربية أكثر تعقيداً، إذ أن أبرز أهداف إقرار هذا اليوم العالمي هو دعم تعليمها ابتداء من التعليم الأولي الذي يسبق المرحلة الابتدائية، بحسب تقارير المنظّمة الدولية، بينما يعلم الجميع أن الفلسفة لا تدرّس في معظم البلدان العربية في جميع المراحل الدراسية بل يجري تحريمها، وأن بلداناً أخرى يقتصر تدريسها على الجامعات ولكنها لا تلق إقبالاً من الطلبة لمعرفتهم المسبقة بأنهم يُستبعدون من سوق العمل إذا تخرجّوا من أقسامها.
في هذه الفضاءات المعزولة تقام معظم الاحتفاليات، كما في فعالية "الجامعة الأردنية" اليوم حيث تُقدّم أوراق حول دور الفلسفة في مواجهة الإرهاب والتغيير وعلاقتها بالدين والتكنولوجيا، بحضورٍ لن يتجاوز عدد الطلبة الذي يدرسونها على الأرجح، وهم أقل من ثمانين.
على المنوال ذاته، تقيم الجامعات المصرية التي تدرّس الفلسفة فعالية متخصّصة الإثنين المقبل، ومنها "جامعة الزقايق" التي نظّمت ثلاث جلسات تتناول أوراق المشاركين فيها مارتن هايدغر (1889 – 1976)، ورغم أن الفلسفة هي محاولة لدراسة الواقع وفهمه، إلا أنه لا توجد ورقة تستعيد الفيلسوف الألماني لمناقشة واحدة من الأزمات التي تواجهها مصر، واكتفت باستعادات أكاديمية تناقش صاحب "ما التفكير؟" في مكانه والمرحلة التي عاش فيها.
في بعض بلدان المغرب العربي، تحضر الفلسفة أكثر في المدرسة والجامعة لكن ذلك لا يغيّر كثيراً في تأثيرها والتفاعل معها، إذ تنظّم منذ أربع سنوات "ليلة الفلاسفة" التي تضمّ هذا العام 32 حلقة دراسية حول ثلاث ثيمات أساسية هي: الحقيقة والصورة والشعب، ويفسّر الباحث إدريس كسيكس، أحد المنظّمين، هذا الاختيار لأن "البشرية تمر بأحلك أوقاتها مع تراجع مكاسب الديمقراطية التمثيلية وصعود الأوليغارشيات وعودة التسلّط وندرة فضاءات الجدال".
من جهة أخرى، تهيمن الفرنكفونية على هذه التظاهرات التي تستضيف مفكرين من فرنسا حصراً، كما أن المعاهد الثقافية الفرنسية هي الجهة المنظّمة الأساسية، إضافة إلى طبيعة المضامين التي يتم نقاشها وهي تُستورد غالباً من جدل تثيره دوائر أكاديمية في باريس.