جون بيرجر.. آخر بورتريه لمعلّم النظر

03 يناير 2017
(بيرجر، تصوير: أولف أندرسون)
+ الخط -

برحيل جون بيرجر عن تسعين عاماً، يوم أمس في باريس، يفقد العالم مثقّفاً خلّاقاً تعدّدت وجوهه ومشاغله، فقد كتب بيرجر (1926-2017) القصّة والرواية والشعر والمسرح، وألّف الكثير من الدراسات والأعمال النقدية في الفنّ التشكيلي والتصوير، وهو يعدّ واحداً من أكثر الكتّاب تأثيراً منذ منتصف القرن الماضي.

قبل نحو أربعة عقود، صار برنامجه المسلسل "طُرق في الرؤية"، (صدر بعد ذلك في كتاب)، في نقد الفن وتاريخه، والذي قدّمه بنفسه على تلفزيون "بي بي سي"، مرجعاً لا يمكن الاستغناء عنه في دراسة تاريخ الفنّ.

في كتبه الأخيرة لم يعد النوع الأدبي واضح المعالم، إذ تبدو كتاباته الأخيرة مقاطع تدور معاً حول ثيمة محدّدة: صفحتان هنا، ورسم له هناك (كان رساماً كبيراً)، وموسيقى أيضاً يصفها بكلمات ذات حساسية عالية، إلى جانب انطباعات لامعة يصهر فيها بيرجر الدراسة والقصة والحكاية والرسم والشعر معاً، كما في كتابه "كرّاسة رسوم بينتو" (2011) على سبيل المثال.

ما من أحد، ربما، مثل بيرجر قدّم رؤية وقراءة عميقة في الصورة الفوتوغرافية. ما من أحد مثله امتلك أمام الفنّ التشكيلي تلك النظرة النقدية الحادّة وكأنها شعاع دقيق يستلّه من اللوحة نفسها. كان بارعاً، ومرهفاً مثل شاعرٍ (وهو كذلك)، في وصف الألوان والمشاهد، والعناصر المختبئة في الصورة واللوحة على حدّ سواء.

في بدايات الستينيات غادر بيرجر لندن، مسقط رأسه، ليستقرّ في قرية صغيرة ونائية في جبال الألب الفرنسية. عاش يراقب سكان القرى ويتأمّل في أيامهم. عمل فلاحاً مثلهم، يساعد في الزراعة والرعي. هناك، بين عامي 1979 و1999، كتب ثلاثيته البديعة "في كدحهم"، الأشبه بملحمة، عن حياة الفلاحين في الريف.

مبكّراً منذ شبابه كان الناقد البريطاني، اليساري الجذري، شريكاً في جميع الانتفاضات والحركات التقدّمية في العالم، ومناصراً لقضايا الشعوب في أفريقيا والمنطقة العربية وسائر بلدان "العالم الثالث". لم يكفّ يوماً عن تأييده ومناصرته للشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال الإسرائيلي، وبوسائل كثيرة مختلفة شارك في دعم قضيته، ومنها دعوته لمقاطعة "إسرائيل" في المجالين الثقافي والأكاديمي غربياً.

في أعماله يأخذ البعد الجمالي الأخلاقي حيّزاً واسعاً تُبنى عليه أفكار وتصوّرات مليئة بالنقد والتحليل، حول قضايا متشعّبة هي كل ما يمسّ طبيعة الحياة البشرية وتاريخها وحاضرها ومستقبلها.

في بعضها أيضاً، يمكن التماس قلق بيرجر من تنامي الفجوة بين عالم له ملامح نقيّة وبسيطة في مكان أو زمان ما، وبين عالم يزداد عنفاً بأنظمته الاقتصادية التي لا تشبع؛ حيث سعى دائماً إلى الاشتغال على ردود واضحة وجّهها إلى العولمة ومنتجاتها الرديئة.

صدر لبيرجر بالعربية؛ "بيكاسو: نجاحه وإخفاقه"، (1979) و"وجهات في النظر" (1990)، و"طُرق في الرؤية" (1994)، و"من عايدة إلى كزافييه"(2010).

من مؤلّفاته نذكر أيضاً روايته "ج" (1972) التي نال عنها في نفس العام "جائزة بوكر" الأدبية، ومسرحيته "آخر بورتريه لـ غويا" (1989) ومجموعته الشعرية "صفحاتُ الجُرح" (1994).

دلالات
المساهمون