رولا أبو صالح: طفولة لا تكتمل

16 يونيو 2016
(الفنانة في مرسمها)
+ الخط -

قد يعكس الأطفال ثقافة المجتمع الذي أنشأهم، وأحياناً في ظروف الحرب تصبح وجوه هؤلاء أخباراً عاجلة أو ربما حدثاً يستثمر الإنسانية في ألمهم وحاجتهم ويصدّرها أفكاراً هاربة من جحيم الدمار النفسي.

ولكن هذه المرة تطل من سورية رولا أبو صالح (1982)، فنانة تشكيلية شابة لتقدم مقترحاً فنياً بأسلوب واقعي لانفعالات أطفال في لحظة حياة؛ أطفال يتركون أسئلة في حضورهم، لا نعرف أين هم، من هؤلاء الأطفال، ماذا تريد بهم؟

تقول رولا أبوصالح في حديثها لـ"العربي الجديد": "ربما هم أطفال من بلدي، ربما غير موجودين في الواقع! لكن ملامحهم محفورة في ذاكرتي. إنهم ليسوا في مكانهم الطبيعي، إنهم يحملون دهشة قدومهم للحياة، هذه الدهشة الطبيعية الغريزية. أما الدهشة الأخرى عندما وجدوا في مستنقع من التساؤلات، من أين جاؤوا؟ ولماذا؟ وإلى أين يذهبون؟ ما هو حاضرهم، مستقبلهم في الحياة وماضيهم في حيواتهم السابقة".

"لم يستطيعوا أن يعيشوا مراحلهم الطبيعية واجتازوا مرحلة الطفولة بتفكيرهم وعقولهم وبقيت أجسادهم وملامحهم تعيش هذه المرحلة. فهمهم أن ينقذوا أنفسهم من شيء لم يدركوه بل أحسوا به، فكانت أعينهم الثالثة مفتوحة، أعتقد أنهم خافوا من الطوفان"، تضيف الفنانة.

ولكن عمّا تبحث رولا حين تلتقط تلك الحركات والإيماءات، وعلى ماذا تبني وهي تحاول إعادة إنتاجها؟ "لم أكن أبحث بقدر ما كنت أتبع إحساسي فهو الذي بحث من دون تفكير، بفطرية وعفوية" تؤكد أبو صالح،

وتعتقد أن الأطفال هم النسخ المصغرة النقية التي لم تتأثر بعد بأية معتقدات، تقول: "يلفتني المشهد النظيف الخالي من ملوثات الحياة، ببراءته وبساطته، إنه المشهد الحقيقي الكوني الذي سوف يوصلني للإمساك بأول خيوط الحقيقة. أطفالي مجتمعين يشكلون بوابة نجمية لتجمع وتجذب الحقيقة، فأتت خبراتي الحياتية والثقافية والإنسانية وجعلتني أختار لحظتي المناسبة لألتقط مشهدي وأعبّر عنه بطريقتي".

وحول التقنيات وطبيعة المناطق والتفاصيل اللونية التي تعمل عليها، تقول رولا: "أستخدم الألوان الزيتية والأكريليك ومواد مختلفة على القماش حسب ما يتطلب العمل والفكرة والموضوع".

تتابع "أما القياسات تعتمد على طبيعة الفكرة، لكنها قياسات كبيرة نوعاً ما، وغالباً أفضل الأحجام الكبيرة لأن حضورها يدهشني أَكْثَر. طالما كنت أركّز على تفاصيل استوقفتني وكانت تشكل لي تساؤلات لم أجد لها حلولاً لأسئلتي الكونية..! نحن نفكر وفقاً لما نعرف ونقول ما نفكر به، لكن المعلومة قد وضعت في عقولنا منذ كنّا أطفالاً وكونت مفاهيم شكلت جزءاً من معتقداتنا التي لم نتساءل عنها وعلى مدى صحتها. أهملتُ أجزاءً أخرى في اللوحات الجديدة، لا أحب الأعمال المكتملة فهي غير موجودة في واقعي، ولا أعتقد أنها ستكتمل طالما هنالك حلقة كونية مفقودة وألغاز وأسئلة لم أجد لها الأجوبة بعد".

تنجز أبوصالح أعمالها التشكيلية ضمن ورشة عمل مشتركة، منذ عام في "غاليري كامل" وسط دمشق، بالمشاركة مع الفنان فؤاد دحدوح والفنان سمير الصفدي، إضافة الى فنانين آخرين غير دائمين.

تشير التشكيلية الشابة، عن هذه الورشة بقولها: "أصبحت من فناني الصالة، أتيت إلى الورشة في وقت مناسب لي ولفناني الصالة أيضاً، إنها نافذة أتنفس من خلالها، لأننا نعيش حالة الحرب وظروف غير طبيعية".

الورشة، بالنسبة إلى رولا، هي المكان الجميل لأنفصل عن الخارج بالإضافة إلى رغبتي بالاطلاع على تجارب فنية والتعرف على تقنيات أخرى والتواصل معهم فكرياً وفنياً وروحياً، إلى جانب النقاشات اليومية المهمة التي أضافت لها خبرات جديدة، والتأثر المتبادل بتجارب بَعضهم البعض.

"أصبحوا عائلتي الجديدة بعد فترة من العمل الفردي والعزلة، وجودي الدائم واليومي في الورشة حرضني على الإنتاج الأكبر والتطور والبحث المستمر والتفكير بتطوير تجربتي. إنها منافسة جميلة نظيفة، وأعتقد أن ورش العمل هي أهم نشاط تقوم به الصالات بهذه الظروف في سورية"؟ تختم أبو صالح.

دلالات
المساهمون