سعيد بنكراد: عن إنهاء تبعية الصورة

12 ابريل 2016
(بنكراد، العربي الجديد)
+ الخط -

لعلّ تراكم التجربة الفكرية العربية في العقود الأخيرة، جعلها تبدأ في اجتراح خطّ نقدي خاص. ظهر ذلك، مثلاً، في نقد عبد الكبير الخطيبي لسارتر أو إدوارد سعيد لفوكو، ونجد شيئاً من ذلك في المحاضرة التي ألقاها، صباح اليوم، السيميولوجي المغربي سعيد بنكراد في افتتاح فعاليات ندوة "رولان بارت ذو الوجوه المتعدّدة" التي تتواصل اليومين المقبلين.

بنكراد لم يتّخذ موقعاً حضارياً في مناقشة أطروحات بارت، بل اتخذ موقعاً من داخل اختصاصه السيميولوجي، حيث يبدو كأنه يحبّ أن ينتصر للصورة في مقابل انتصار بارت للغة.

ينطلق بنكراد في محاضرته من استعراض إشكالية بارت، والتي تتلخّص في التساؤل عن قدرة الوعي أو عجزه خارج محدّدات لغوية مسبقة؟ يقول إن "بارت اعتبر أن العالم لا يتسرّب إلى الذهن، إلا بمفاهيم تنوب عنه مُنكراً إمكانية وجود إدراك دون تصنيف مسبّق".

من هنا، فإن تجربة الإبصار، بحسب بارت، وثيقة الصلة بما تُخزّنه الذاكرة التي تستبطن كل أشكال الوجود أي أننا نرى ليس من خلال العين بل من خلال الكلمات، وكذلك الأمر بالنسبة للحواس الأخرى.

هكذا يضيّق المفكّر الفرنسي على الصورة، حيث يحصر دلالتها بوجود خزّان من المواقف المسبقة لدى المتلقّي، ما يسمّيه بالإيحاء الإدراكي، وهو سلسلة تتضمّن الأيديولوجي والجمالي والمعرفي وغيرها. يرى بنكراد أن ذلك دفع بارت إلى اعتبار أن كل أشكال الوجود ليست سوى تنويعات داخل المفاهيم التي استقامت داخل اللغة.

يناقش السيميولوجي المغربي هذه الفكرة، ويرى بأنه "قد يكون كل ما قيل فيه نصيب كبير من الوجاهة، لكن لا يمكن أن يكون بديلاً مُطلقاً عمّا يأتي من حسية الوجود، إذ ثمّة طاقات تعبيرية في الألوان والأشكال تصل من دون واسطة ما تقترحه التعبيرات اللفظية عنها، أي أنه توجد معاني تتسرّب إلى الوجدان، إذن فهي ذات دلالة، لكنها غير قابلة للفهم كونها غير متعرّف عليها لغوياً".

يبني بنكراد اختلافه مع بارت على أنه توجد مراحل مختلفة في العلاقة بين اللغة والإنسان، كما هو الحال مع إنسان الكهوف الذي خطّ على الجدران معان وانفعالات لا توجد في السجل المفهومي للغة المستعملة وقتها، مستنتجاً أن بارت عمّم وضعية الإنسان المعاصر الذي يجد نفسه في حالة أسبقية اللغة عليه.

لعل هذا النقد لبارت يفسّر تركيز بنكراد في السنوات الأخيرة في بحوثه على الصورة. غير أنه ينسّب هذه القراءة النقدية، معتبراً أن ما وصل إليه بارت ينبغي أن يُوضع في سياقاته؛ فالدراسات حول الصورة كانت زمن اشتغاله في بداياتها الأولى، وكانت التقاليد اللسانية مهيمنة على المناخ الثقافي الذي عاش فيه، فهو نقص لا يُفسَّر بالعجز ولكن بالمُتاح. كما يشير إلى أن بارت غاب عنه الفن التشكيلي في صياغته لنظرياته السيميائية، لذلك جعل الصورة حبيسة المنوال اللساني.

هنا، يصل بنكراد إلى أنه ينبغي اليوم أن ننظر إلى العلاقة بين الصورة واللغة باعتبارها علاقة تكامل وليست علاقة تبعية. يقول "ما ضيعناه ونحن نكسو العالم بالمفاهيم يمكن أن نعوّضه بالصور"، ويختم "إن البصري يحرمنا من الكلام ولكنه يعلّمنا فن النظر". 


المساهمون