صحراء أثثها المستشرقون

10 ابريل 2016
بلا عنوان / طارق الغصين
+ الخط -

لعل تاريخ الثقافة العربية في جزء كبير منه هو تاريخ صراعها مع أوروبا، وهو صراع يغيّر أشكاله، ومن بينها الاهتمام والدراسة ووضع الكتب والأعمال الفنية.

في خضم هذا الصراع، كانت الثقافة العربية تصكّ مفاهيمها وتصوراتها عن الذات والعالم، وفي لحظات ضعفها (وهي كثيرة) كانت تقبل تصورات مريضة عن ذاتها، من بينها أنها ثقافة صحراء.

الصحراء كمفهوم ثقافي تحقيري، سبق المستشرقين الغربيين إليه التيار "الشعوبي" في الثقافة العربية والذي تشكلت عنصريته تحت وطأة المركزية العربية في الإمبراطورية الإسلامية الوليدة. (هل وضع هذا التيار الأسس التي سيبنى عليها المشروع الاستشراقي، بعد قرون، فرضياته؟).

لا غنى عن تتبّع تاريخي لتشكّل مفهوم الصحراء ومترادفاتها، ولتفسير نعرة معاصرة تسرّبت إلى الخطاب الثقافي العربي تتعلّق بإعلاء الهُوية المتوسطية. والأخيرة بالطبع واحدة من طبقات الهوية العربية.

لكن توظيف التصوّر المتوسطي كنقيض لـ"ثقافة الصحراء" ينطوي على تضليل معرفي وسياسي في آن، يستهدف الثقافة العربية. وكأن الصحراء حاضنة تاريخية للاستبداد وإنتاج التكفير ومعاداة الحضارة، وكأن الشعر العربي والرسالة المحمدية وجملة من أفكار التحرّر الإنساني لم تخرج من هذه الصحراء.

إن أخطر ما تفعله هوية هو طرد باقي مكوّناتها. وأخطر ما حصل للثقافة العربية هو أن مجموعة كبيرة من روادها في مطلع القرن العشرين كانوا من تلامذة المستشرقين، وهو نسل لم ينقطع.

في لحظة الخلط الكبرى الجارية الآن عربياً، لا مناص من تنقية المفاهيم المؤسِّسة، من العقد النفسية وتحقير الذات، قبل ممارسة أي نقد ذاتي ناجع في الحقل الثقافي.

المساهمون