روبرت فروست: عربشة على الباتولا

27 مارس 2016
فروست (1874 - 1963)
+ الخط -

التقيتُ الشاعر الأميركي روبرت فروست أول مرة في مكتبة الجامعة، حيث نسخة وحيدة من ترجمة الشاعر يوسف الخال له، والتي لم يعد متاحاً الحصول عليها، فعادةً ما تنتهي حياة الكتاب مع نهاية آخر نسخة من طبعته الأولى في بلادنا، أو مع نهاية دار النشر التي قدّمته.

للأسف، لم أحتفظ بشيء من ترجمات الخال، لكن قراءة فروست بلغته تشعرك بمشكلات الترجمة، من خلال الفرق في انطباعك الأول حين قرأته بالعربية، ثم الثاني بلغته الأم. فروست نفسه عبّر عن أذى نقل الشعر من لغة إلى أخرى، حين قال "الشعر هو ما يضيع في الترجمة". رغم ذلك، سننقل بضعة أسطر لنقل شيء من فروست إلى مقال يرمي إلى استعادته.

"حين أرى البتولا تتثنّى يميناً ويساراً، بين صف من الأشجار الثابتة والمتجهّمة، أحب أن أفكّر أن ولداً يتعربش عليها. التأرجح لا يثنيها إلى الأسفل مثلما تفعل عاصفة جليد. لا بد أنك شاهدتها محمّلة بالجليد صبيحة يوم شتائي مشمس بعد المطر". (الأسطر الأولى من قصيدة "بتولا").

"ليس هناك من صوت بمحاذاة الغابة، سوى صوت واحد. وهذا كان لمنجلي وهو يوشوش الأرض. بماذا كان يهمس؟ لم أميّز. ربما كان شيئاً عن حرارة الشمس. ربما بشيء عن غياب الصوت؛ ربما لهذا كان يهمس ولا يتكلّم". (الأسطر الأولى من قصيدة "جز").

هذه بضعة أسطر من قصائد كتبها المزارع المنعزل، إذ بعد أن توفي والد فروست (26 آذار/ مارس 1874- 29 كانون الثاني/ يناير 1963)، وهو صغير، اضطر إلى العمل في مهن يدوية: شغيل في الطاحونة، عامل في مطبعة صحيفة، أو أمام ماكنات المصانع، ثم أخيراً وبعد أن منحه جدّه قطعة أرض بقي يعمل فيها عشرة أعوام. ظهر كل هذا في شعره، ولكن ليس على طريقة ثورية ولا بملامح بروليتارية، رغم أنه كتب قصائده ما بين نهايات القرن التاسع عشر والعشرين، ولكن كانت هناك روح أميركية للفلاحة وحضور للطبيعة الصامتة في قصائد وعرة في سهولتها.

يمكن القول إن هناك نسختين من فروست: فروست ما قبل الحداثي وفروست الحداثي. فقد أخذ الشاعر وقتاً حتى تخلّص من أثر موروث شعر القرن التاسع عشر، وتقبّل أن يحاول التجديد في الشكل الشعري، مثله مثل أبناء جيله إليوت وباوند.

وبانتقاله إلى العيش في لندن، حدث التحوّل الكبير في قصيدة فروست، لا سيما بعد نجاح مجموعته "شمال بوسطن"، على العكس من مجموعته الأولى "وصية ولد"، التي إن فتحت فهرسها ستجد عنوان القصيدة وشرح العنوان تحته، مثال على ذلك عنوان قصيدة "بنفسي" وتحته السطر التالي "يعتقد الشاب أنه سيكون نفسه أكثر حين ينبذ العالم"، أو قصيدة "خوف العاصفة" وتحتها سطر (إنه خائف من العزلة).

من خلال مراسلته مع صديقه الناشر والكاتب الأميركي جون بارتليت، سنكتشف أن فروست ضاق ذرعاً بالعمل في مهن يدوية، وكان يريد أن يجعل من الشعر عمله الذي يكسب فيه الشهرة والمال أيضاً. يقول صاحب "نيو هامشير" (المجموعة التي حاز عنها على البوليتزر عام 1923): "هناك حقيقة لا بد ألا تغيب عن ذهنك، هناك نوع من النجاح يأتي من "التقدير"، لكنه "لا يؤكل عيش"، إنه يعني نجاح مع قلّة ناقدة من المفترض أنها تعرف. لكن، لأصل إلى مرحلة تمكنّني من الوقوف على ساقيّ كشاعر وليس أي شيء آخر، لا بد أن أخرج من هذه الدائرة إلى دائرة القرّاء العاديين الذي يشترون الكتب وهم بالآلاف (...) أريد أن أكون شاعر كل شكل وكل نوع، ولا يمكنني الوصول إلى ذلك بأن أكون مثل الكافيار بالنسبة إلى الجماهير، مثلما هو باوند".

في هذه المراسلات أيضاً، يتحدت فروست عن الموسيقى والمعنى في قصيدته، فيقول: "أنا وحدي، من بين الكتّاب بالإنجليزية، أعددت نفسي بشكل واع لصناعة الموسيقى ممّا أسميه صوت المعنى. الآن، أصبح من الممكن امتلاك المعنى من دون صوت المعنى (كما في كثير من النثر، وهو مملّ القراءة )، وهناك صوت المعنى بلا معنى (مثل أليس في بلاد العجائب/ وهو كل شيء إلا أن يكون مملّاً في القراءة). إن أفضل طريقة للوصول إلى الصوت المجرّد للمعنى هي من إدراك الأصوات المسموعة من خلف الباب".



اقرأ أيضاً: ماريان مور: ليست من سيدات جويس

المساهمون