العربية في الصين: حكم الاستشراق الغربي

18 ديسمبر 2016
(عملٌ حروفي للخطاط الصيني الحاج نور الدين)
+ الخط -

مع الاحتفال الذي أقامته مؤخراً "جامعة بكين" بالذكرى السبعين لتأسيس أول قسم لدراسة اللغة والأداب العربية في الصين، والذكرى الـ 110 لولادة العالم الصيني المسلم، محمد ماكين، مؤسّس الدراسات العربية الحديثة فيها، تلحّ تساؤلات حول مجالات انتشار العربية في البلد الآسيوي البعيد، وكيف يشكّل الباحثون الصينيون المتخصصون بلغة الضاد رؤيتهم حول الثقافة العربية الإسلامية.

يعدّ دخول اللغة العربية إلى الجامعات الصينية متأخراً جداً مقارنة مع الجامعات الغربية، حيث تأسّس عام 1946 أول قسم للغة والآداب العربية في "جامعة بكين"، التي تُعتبر أول جامعة حكومية عصرية أُنشئت عام 1898، وبذلك تكون اللغة العربية قد دخلت الجامعة الصينية في مرحلة مبكّرة من تاريخ الصين الحديث.

تجدر الإشارة إلى أن عام 1946 لم يكن بداية لتاريخ تعليم اللغة العربية في الصين، بل يمثّل مرحلة تطوّر جديدة في تاريخ تعليمها الطويل، حيث ظّلت اللغة العربية تُدرّس في المساجد والمدارس الدينية في الصين منذ بدء تكون أوّل تجمّعات صينية مسلمة، قبل أكثر من ألف عام.

بعد دراسة في الأزهر دامت ثماني سنوات، عاد العالم الصيني المسلم محمد ماكين إلى بلاده ليؤسّس أوّل قسم للغة والآداب العربية، وكان له إسهامٌ بارز في تطوير مناهج اللغة العربية في بلاده، حيث أخرجها من نظام التدريس التقليدي إلى المناهج العلمية الحديثة، ووسّع مجال تعليمها من الأقليات المسلمة إلى عامة الصينيين، ووضع المناهج، وألّف القواميس العربية الصينية، وترجم القرآن والحديث والعديد من المؤلّفات عن تاريخ العرب والإسلام إلى اللغة الصينية، كما ترّجم المؤلفات الكونفوشيوسية والطاوية إلى العربية.

التطوّر الأسرع الذي شهدته اللغة العربية أتى بعد تبني الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، مدفوعاً بتطوّر العلاقات الاقتصادية بين الصين والبلدان العربية، وحاجة الصين لفهم قضايا المنطقة ومخاطبة الرأي العام العربي. فباتت اللغة العربية تُدرّس في أكثر من 30 جامعة صينية، وغدت لغة رئيسية في مجال النشر والإعلام الصيني باللغات الأجنبية، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في مجال الدبلوماسية والتجارة.

غير أن هذا التطوّر أخفى العديد من النقائص، إذ اكتسب تدريس العربية واستخدامها بعداً نفعياً، وتركّزت مقرّرات التدريس على القواعد والترجمة والمحادثة، لتخريج المترجمين الذين تحتاجهم الصين في مجالات الاقتصاد والتجارة والدبلوماسية، في حين أُهمل تدريس آدابها وتاريخها وثقافتها. بعد الانتفاضات العربية في السنوات الأخيرة، أُلحقت العديد من مراكز دراسات "الشرق الأوسط" بأقسام اللغة العربية، ما أضاف بعداً سياسياً أكثر جاذبية واستقطاباً للطلبة والباحثين فيها.

تمتلك الصين في الوقت الحالي، عدداً كبيراً من دارسي ومترجمي وأساتذة اللغة العربية، لكن إسهاماتهم في فهم العالم العربي وتأسيس رؤية صينية خاصة للحضارة العربية الإسلامية لا تزال محدودة، ومن المبكر الحديث عن وجود مدرسة استعراب صينية لها تقاليد في فهم الثقافة العربية، ما يترك فراغاً معرفياً كبيراً وسط الاهتمام الواسع من الرأي العام الصيني بمنطقة "الشرق الأوسط" تغذيه القضايا الساخنة. هذا الفراغ تملؤه ترجمات كتابات المستشرقين الغربيين، التي تتسّرب رؤاهم عن العالم العربي إلى الصينيين، وتغدو تصوّرات وانطباعات نمطية في المخيّلة الصينية.

دلالات
المساهمون