جلال بن عبد الله.. لوحة لم ينته منها بعد

19 يونيو 2015
من أعمال الفنان
+ الخط -

بعنوان مخادع "رسام بلوحة واحدة" أقيم مؤخراً معرض الفنان جلال بن عبد الله (1928) في تونس العاصمة، حيث عرضت مجموعة لوحات من ممتلكات الفنان الخاصة تمتد من 1938 إلى 2008 في "المركز الثقافي الفرنسي". 

مسيرة السبعين عاماً يعتبرها أحد منظمي المعرض أمير بوكر "تنويعاً على لوحة واحدة"، حيث يقول "كما لو أن بن عبد الله يشتغل منذ انطلاق مسيرته على لوحة واحدة لم ينته منها".

غير أن سبباً آخر يبرّر هذا العنوان، وهو أن إحدى لوحات الرسّام (لوحة "مشموم الفل") اعتبرت نموذجاً للمدرسة الفنية التي كانت تحمل اسم "مدرسة تونس" والتي كان بن عبد الله أحد أبرز أسمائها.

ظهرت "مدرسة تونس" في نهاية أربعينيات القرن العشرين، حين كانت تونس تحت الاستعمار. أطلقها مجموعة من الرسامين الفرنسيين المقيمين في تونس على رأسهم بيار بوشارل.

قامت المدرسة على اعتبار أن تونس تتميز بمجال لوني وضوئي يمكن أن يكون أساساً لمنهجية في الفن التشكيلي، وقد ركزت المدرسة توظيف هذا المجال في مواضيع الحياة العامة والمشاهد الطبيعية.

سرعان ما انضم للمدرسة جيل الرسامين الصاعدين في تونس، ومنهم جلال بن عبد الله، حيث استفادوا بفضل الانتماء إليها من فرض الذهاب لدراسة الرسم في أبرز أكاديميات الفنون وتمرّنوا في أشهر مراسم باريس، علاوة على تمكينهم من العرض إلى جانب فنانين كبار.

في الخمسينيات، وبدخول تونس مرحلة الكفاح المسلح، بدأت المجموعة التونسية من "مدرسة تونس" تستقل بذاتها، فتم الاستبقاء على الخصائص الفنية مع توظيفها في مشاغل شعبية، حتى قيل بأن الرسامين زبير التركي وعبد الله فرحات وحاتم المكي وجلال بن عبد الله استطاعوا أن يتحرروا من التيار الذوقي الغربي الذي سيطر على الفن التونسي.

بعد الاستقلال، هيمنت مدرسة تونس على الحياة الفنية في تونس، خصوصاً عن طريق "كلية الفنون الجميلة". وتم تكريس لوحة "مشموم الفل" الشهيرة لبن عبد الله كنموذج عام استهلك فنياً واستخدم دعائياً لصالح السياحة.

لكن مع مرور السنوات، ووفاة رموزها، وانفتاح آخرين على تجارب جديدة، تراجع وهج "مدرسة تونس" وصارت مجرّد مُعبر عن مرحلة من مراحل تطوّر الفن التشكيلي التونسي.

حاول معرض "جلال بن عبد الله: رسام بلوحة واحدة" أن يسلّط الضوء على بعد قلما انتبه له متابعو فن بن عبد الله، وهو ما يسميه أحد منظمي المعرض رضا المومني بـ "الجانب الالتزامي في تجربته".

يشير المومني إلى أن لوحة "الشهيد" المعروضة دليل على عدم ذوبان التونسيين في التصوّر الأول لـ "مدرسة تونس" باعتبارها مبادرة فرنسية، فهذه اللوحة أنجزها بن عبد الله سنة 1938 ما يشير إلى توجهاته السياسية المبكرة.

هذه اللوحة نفسها تضرب اليوم على وتر الراهن التونسي، فثيمة "الشهيد" تمسك بتاريخين: الاستقلال والثورة.

المساهمون